الكاتب : دينا عبدالكريم |
05:47 pm 26/04/2021
| رأي
| 2106
أى شخص سوى ومتزن نفسيًّا سيكن احترامًا شديدًا وعميقًا لكل المهن والوظائف، حتى وإن لم يمارسها. لو كان تقديرك للأمور طبيعيا ستشعر بالرغبة العميقة فى إكرام السيدة التى تساعد فى نظافة المنزل، وهذا الرجل الذى يتولى نظافة الشارع، وستشعر بدورهما الكبير فى الحياة، وهو أهم بكثير من أشخاص يصحبهم الكثير من الضجيج والصخب.
مهن كثيرة تغيرت واختلف تقدير الناس لها، الفن مثلا واحدة من المهن التى اختلف موقف الناس منها، بحسب قدرته على التعبير عنهم.
لكن يبقى الطب المهنة الأصعب والأكثر تعقيدا والأكثر قيمة مضافة على مر العصور، وتبقى علاقة الناس بها متغيرة باختلاف المراحل ووجهات النظر.
صغيرًا تحب الطب كلعبة وتهلل فرحًا بعد أول زيارة لطبيب أطفال مبتسما: «سأصبح طبيب أطفال يا أمى!»، ثم تصرخ بعد أول زيارة لطبيب الأسنان: «أنا بأكرهه ومش هاروحله تانى، ومش عاوز أبقى دكتور».
تكبر قليلا فتصبح شابا يحسبها بالورقة والقلم، فإما أن تتمنى أن تصبح طبيبا مثل هذا الطبيب الشهير الذى حسبت بذكائك الخارق دخله اليومى، فانبهرت دون أن تعرف كيف وصل إلى هنا، أو تحسبها بحسبة المنطق الذى يرفض أن يقضى تسعين بالمائة من حياته بين الكتب أو المرضى والمستشفيات، فتقسم ألا تفكر مرة ثانية فى مهنة تأكل العمر كمهنة الطب!!.
تكبر قليلا، فتصحب عزيزا لديك لزيارة الطبيب، تنتظر فى ترقب كلمة تخرج من فم هذا الرجل أو تلك المرأة.. تتحول تلك المهنة فى عينيك فى لحظة إلى رسالة إلهية ولطف من الله على البشر... ترى كيف يحول الله رحمته ولطفه بعباده إلى أرقام ومعلومات، إلى أدوية وعلاجات، ترى بعينيك كيف يجرى الله أمره وتدبيره من خلال هؤلاء البشر. عندها فقط ندرك قيمة تلك المهنة!.
جاءت الكورونا فأدركنا «الطب فى زمن الكورونا» كأقدس مهنة اليوم على وجه الأرض، ممارسة إنقاذ حياة أقدس من كل الصلوات.. الساعات الطويلة لخدمة الناس أعظم صوم وترفع، العمل بإمكانات محدودة ومحاربة فيروس مجهول بكل المتاح من أدوات بطولة أهم من أعظم الإنجازات..
الرحمة بدموع المرتعبين أعظم من كل الأصوام، توفير سرير لمحتاج دون تباطؤ ودون تعال فعل مصالحة للبشر مع الخالق.. فصوتهم وهم يصرخون «حمدا لله» شهادة أنه موجود!.
خدمة مريض فقير لا تعرفه ولن يعرفك، وتفاصيل اهتمامك به.. نبل وشرف.
أمنيتى المستحيلة أن يزول المرض والأوجاع من العالم كله.. لكن لأنها مستحيلة فدعونا نتمنى أن يبقى الطب رسالة التحنن الإلهية للبشر، والمعجزة اليومية التى ينتظرها الجميع.
وأن تتحول دموع وأنات الخوف فى طرقات المستشفيات، إلى ابتهالات وشكر وحمد للجميع