مر عام على أتفاق ترسيم الحدود البحرية الشرقية مع المملكة العربية السعودية وحتى الآن لم تدخل الإتفاقية حيز النفاذ دوليا ، نتيجة عرقلة الإتفاق عن طريق أحكام مجلس الدولة بوقف سريان قرار الترسيم البحرى لأنه يرتب نقل السيادة على جزيرتى تيران وصنافير للمملكة السعودية !!
ولأننا دولة تحترم مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات فقد أمتنع مجلس النواب عن إقرار الإتفاقية لوجود أحكام قضائية ودخول الإتفاقية النفق القضائى طويل الأجل ، وهو ما كان له نتائج سلبية فيما يخص الاتفاقات التبعية والتى منها توريد شركة أرامكو للمنتجات ،ومشروعات الربط الاقتصادى ، ومشروع الجسر البرى، واستغلال الثروات الطبيعية !!
وخلال تلك الفترة خرجت الكثير من التفسيرات والتبريرات والحجج للبحث عن الحلول الوسط للأزمة ،على الرغم من مرور الوقت وهو ما كان له نتائج سلبية على الوضع الإقتصادي لعدم قدرتنا على جذب استثمارات أجنبية للبحث عن البترول والغاز واكتشافه ، فجميع المزايدات الخاصة بهذه المنطقة موقوفة نتيجة عدم سريان الإتفاقية الخاصة بالترسيم ، وفى عالم الإستثمار البترولى لا إتفاقيات على مناطق متنازع عليها فيما يتعلق بسيادة الدولة على منطقة الإمتياز !!!!
وتحتوى المنطقة البحرية الشرقية لمصر على أحتياطيات هائلة من البترول والغاز الطبيعي تقدر بنحو ١٠ مليار برميل من خام النفط ، وما بين ٥٠ إلى ٨٠ تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي بمنطقة شمال البحر الأحمر ، و التى تحتاج إلى شركات عملاقة وأستثمارات ضخمة ، إلا أن إتفاق ترسيم الحدود يقف عائقا أمام الشركات الأجنبية للإستثمار فى غير ثابت سيادة الدولة المتعاقدة عليها بموجب إتفاق ترسيم !!
ومن النتائج المترتبة على عدم سريان الإتفاقية أن المزايدة العامة التى طرحتها شركة جنوب الوادى القابضة للبترول بداية العام مع ٥ شركات لن تدخل حيز التنفيذ ألا بعد أقرار إتفاق ترسيم الحدود ، فالعمليات التى ستقوم بها الشركات هى عملية البحث السيزمى ثنائى وثلاثى الأبعاد لتحديد البيانات اللازمة حول الاحتياطيات الموجودة بالمنطقة ، حتى يتم الدخول فى مرحلة البحث والأستكشاف عقب دخول الإتفاقية حيز النفاذ !!
وقد اقترنت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية بمشكلة دخول جزيرتى تيران وصنافير ضمن السيادة السعودية كنتيجة للترسيم ، ويحاول الكثير من الخبراء والمتخصصين البحث عن حل المشكلة ، بطرح فكرة تعليق مسألة السيادة على الجزيرتين مع نفاذ باقى بنود الإتفاق ، إلا أن ذلك لن يؤثر على حركة الإستثمارات في المنطقة ، ولن تتقدم الشركات إلى المزايدات التى تطرحها الحكومة المصرية أو السعودية ، لأن الشركات البترولية لا علاقة لها بمنازعات الحدود فلا بد أن تكون سيادة الدولة على منطقة الإمتياز وفقا لأحكام وقواعد القانون الدولى العام !!
والمعلوم أن المنطقة البحرية شمال البحر الأحمر تطل عليها أربعة دول هى المملكة العربية السعودية ، ومصر ، والأردن ، وإسرائيل ، والمسافة بين الدول الأربعة أقل من ٤٨ ميلا بحريا وبالتالي فكرة الإستثمار في هذه المنطقة معدومة طالما لا توجد إتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين الدول !!
وهو ما تؤكده المادة الثانية من إتفاق الترسيم على أمتداد خط الحدود البحرية المصرية السعودية الأردنية إلى نقطة خط الحدود البحرية رقم ١ ومنها يمتد فى خطوط مستقيمة تصل بين خط الحدود البحرية بين البلدين فى خليج العقبة والبحر الأحمر ، حتى نقطة خط الحدود البحرية رقم ٦١ !!!
وهناك دول حريصة على عدم تصديق مصر على إتفاقية ترسيم الحدود ، وأول الدول إسرائيل التى تقوم سياستها على أفقار مصر ودول الجوار !! وإيران التى لا تريد وجود منفذ للمملكة عن طريق مصر ، وتركيا التى ترغب فى إعتماد الدول عليها كمعبر لقارة أوروبا ، وقطر التى تخشى تأثير أكتشافات الغاز الطبيعي المصرية على أقتصادها وتوجه الإستثمارات الأمريكية إلى مصر ، فالدول الأربعة من مصلحتهم توتر العلاقات المصرية السعودية !!
وعدم تصديق مصر على إتفاقية ترسيم الحدود البحرية الشرقية مع المملكة العربية السعودية يعنى عدم قدرتها على أستغلال الموارد الطبيعية الموجودة فى المياه الإقتصادية ، والشركات الأجنبية لن تشارك فى مزايدات عالمية بهذه المناطق لعدم وجود إتفاق ترسيم وفقا للأتفاقية الدولية لقانون البحار ، فلا استثمارات فى مناطق متنازع على السيادة فيها بين الدول ، واحتمالية نجاح أعداء مصر والمملكة فى أفساد العلاقة واحتمالية اللجوء إلى التحكيم الدولى مستقبلا فرض قابل التحقق ، وهو مايعنى أستحالة ضخ استثمارات ضخمة فى مناطق يحتمل انتقال السيادة عليها ، فلا مجال للفروض الاحتمالية والهزار عند الشركات التى تريد إتفاقيات قاطعة بين الدول لضخ استثماراتها !!
فلابديل عن الأستفتاء الشعبى على إتفاقية ترسيم الحدود الشرقية ، لأن المسألة أصبحت أكبر من القضاء ومجلس النواب والحكومة ، فيجب الرجوع إلى الشعب صاحب السيادة فيما يتعلق بالقرارات المصيرية .
وقد أكدت المادة ١٥١ من دستور مصر الصادر في ٢٠١٤ ، على أن يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية ، ويبرم المعاهدات ، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب ، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور .
ويجب دعوة الناخبين للأستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف ومايتعلق بحقوق السيادة ، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة !!
والاتفاق المصرى السعودى المبرم فى إبريل ٢٠١٦ ، يعد من قبيل معاهدات التحالف ، وهو ما تؤكده المادة الرابعة من الدستور و التى نصت على أن السيادة للشعب وحده ، يمارسها ويحميها ، وهو مصدر السلطات ، والاستفتاء هو الوسيلة الصريحة لتأكيد مبدأ أن السيادة للشعب وحده !!!