التشريعات وأحكام القضاء وقرارات ولى الأمر لايحللون حراماً ، إلا أن المشرع المصرى أبتدع لنا قانوناً يحلل الحرام وهو قانون التصالح فى قضايا سرقة ونهب أموال الشعب...فقد أجازت المادة ١٨ من قانون الإجراءات الجنائية التصالح فى المخالفات والجنح ،وتم تعديلها بموجب القانون رقم ١٧٤ لسنة ١٩٩٨ ، والذى رتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية !!
وقد إستطاع ترزية القوانين تفصيل القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥ ،والذى أجاز التصالح فى الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات والخاصة بجرائم الإعتداء على المال العام بأختلاسه أو العدوان عليه وتسهيل الحصول عليه بدون وجه حق !!
وقد أقر مجلس النواب القانون وترتب على ذلك تشكيل لجنة من الخبراء بقرار من رئيس مجلس الوزراء للقيام بدراسة طلبات التصالح ،وتحرير محضر التصالح والذى يوقعه أطرافه ،ثم يعرض على رئيس مجلس الوزراء لأعتماده وهو ما يعد تصديقا على المحضر بدون رسوم ،والذى يحوز قوة السند التنفيذى ، ويتولى رئيس مجلس الوزراء أخطار النائب العام حتى تنقضى الدعوى الجنائية !!
وترتب على القانون نتيجة امتداد أثر التصالح إلى جميع المتهمين أو المحكوم عليهم دون المساس بمسئوليتهم التأديبية ،ويتم تقديم طلب التصالح من المتهم أو المحكوم عليهم أو وكيله الخاص ، الذى يجوز له إتخاذ كل الإجراءات المتعلقة بإعادة إجراءات المحاكمة فى غيبة المحكوم عليه فى الأحكام الصادرة غيابياً( لصوص لكن بهوات بأموال الشعب ) !!
فقد شجع القانون ذوى الضمائر الميتة على ارتكاب جرائم الإعتداء علي المال العام من الموظف العام الذى هو مؤتمناً عليه ، وبموجب القانون أصبح خائناً للأمانة برخصة التصالح ،بل وصل الحال ببعض اللصوص إلى الإعلان عن لو عادت الأيام مرة أخرى سيرتكب الجريمة مرة أخرى ، فمهما كان حجم المبلغ المعتدى عليه محضر التصالح يسقط حق الدولة فى العقاب !!!
لذلك هذا القانون غير دستورى لمخالفته نصوص الدستور المصرى ،فالمادة ٣٤ من الدستور تنص على أن للملكية العامة حرمة ولا يجوز المساس بها ، وحمايتها واجب وفقاً للقانون .
إلا أن قانون التصالح ينتهك حرمة المال العام فقد أجاز الإعتداء على المال العام ثم أعادته مرة أخرى دون أدنى مسئولية !!
ويعد الإعتداء على المال العام إعتداءاً على الحقوق التى كفلها الدستور والقانون ،وهذه الجرائم لاتسقط الدعوى الجنائية فيها بالتقادم وفقاً لنص المادة ٩٩ من الدستور !!
ويخالف القانون مبادئ الشريعة الإسلامية المنصوص عليها في المادة الثانية من الدستور والتى تنص على ( ....، ......، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ) . ويخالف القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥ ، أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بحماية المال العام من العدوان عليه ،ولا تملك أى سلطة أن تحل حراماً كما جاء في القانون والذى خالف القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة !!
قال تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) سورة البقرة الآية ١٨٨ .
وقد عاتب الله سبحانه وتعالى نبيه فى التصالح مع أسرى بدر كما جاء في سورة آل عمران ، قال تعالى ( وما كان لنبى أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ) الآية ١٦١ .
وهو ما أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( من أستعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ) رواه أبو داود والحاكم ..
وعنه صلى الله عليه وسلم قال : أنه لا يدخل الجنة ألا المؤمنون . ( رواه مسلم والترمذى ) ..
إلا أن قانون التصالح الصادر عن السلطة التشريعية أحل حراماً ، لأن السارق يستطيع إعادة المسروقات وكأن شئً لم يكن ، والسرقة بمعناها الواسع كل إعتداء على المال ،ومحضر التصالح يفسح المجال لنهب المال العام ..
ومن العجائب أن من يختلس مليار جنيه من أموال الشعب لا عقوبة له ،ومن يسرق رغيف عيش يدخل السجن ،ومن يحصل على رشوة مائة جنيه يدخل السجن ومن يسهل لشخص الحصول على عشرة مليون جنيه شهرياً من أموال الشعب ما عليه سوى طلب التصالح وبمزاجه !!