الكاتب : د أحمد هندي |
06:08 pm 27/11/2020
| رأي
| 2475
الديمقراطية الحقيقية هى التى تعبر عن طموحات الشعب من خلال تنافس حقيقي بين التيارات السياسية المختلفة، فى ظل دولة تعمل مؤسساتها ولو بحد معقول من الكفاءة والأستقلال عن السلطة التنفيذية، أذن المعنى الحقيفي للتحول الديمقراطي ليس فقط فى تغيير الأشخاص، وأنما فى تغيير المنظومة الثقافية السياسية التى يتحرك داخلها أو على قمتها هؤلاء الأشخاص.
وهو مايعني أن تدار أجهزة الدولة بشكل مختلف عما كان سابقاً، وأن تكون السلطة التشريعية والسلطة القضائية مؤسسات إصلاحية، لأن الدولة الديمقراطية الحقيقية هى الدولة المؤسسية فلابد من العمل المؤسسي، حيث يفترض أن الغاية الأساسية للمجتمع هو وجود نظام سياسي فعال، ودستور عصري، وبرلمان حر، وديمقراطية، وليس شرطا من يأتى أولا.!!
وكما عبر عن ذلك الرئيس الرابع للولايات المتحدة الأمريكية جيمس ماديسون بقوله ( علينا أن نصنع الدولة، ولكن علينا نحن من يحكمها أن نكون أول من يلتزم بقوانينها التى تعبر عن مصالح وأصوات أغلب مواطنيها)!
و َهو مايعني أن الديمقراطية كنظام حكم ليست مذهبا أو عقيدة سياسية، وأنما وسيلة لحل مشكلات الأستبداد، وحماية الحريات..اذا يمكننا تعريف الديمقراطية بأنها المؤسسات والأجراءات والقواعد التى تنظم عملية الأختيار، وعملية أتخاذ القرار، وتمكين المواطنين من المشاركة فيها، ووجود آليات وضمانات لحماية الحقوق والحريات..أي أن شفافية الأنتخابات أساس تكوين كافة المؤسسات والمناصب القيادية، بأعتبارهم أهم
صفات الديمقراطية الحققيقي.!
ومايذكر من المنهج الأنتخابي المصري القديم تزييف الأستفتاءات والأنتخابات العامة، فكانت النتائج المعلنة بنسبة ٩٩٪.، فلم يكن هناك ميدان سياسي، فكانت البرلمانات مجرد آداة طيعة في يد رئيس الحكومة (رئيس مجلس الوزراء) الحاكم بأمره، فلم تكن الحكومة تتقيد بأي مطالب سياسية فكانت الحياة النيابية (ميتة)!!
فلم تكن الممارسة السياسية قائمة على قاعدة التوازن بين الأغلبية والمعارضة على نحو لايسمح لأي أغلبية بأن تستقوي بشعبيتها، فكانت الأغلبية المزيفة تأخذ النظام السياسي إلى حيث تريد وتلغي بذلك أي إرادة للمعارضة، فلم تكن هناك شعبية انتخابية حقيقية بل مزيفة مزورة من سماتها تسويد البطاقات ووضعها فى الصناديق ثم أعلانها..!
ومع صدور قرار الأشراف القضائي على الأنتخابات، ظهرت الهيمنة السياسية لطبقة الأغنياء وذوي النفوذ أصحاب الأموال السوداء (الغير مشروعة)، والذين نجحوا فى إنتاج قيم سياسية وأجتماعية معينة، تضمن لهم البقاء بخلق شعور بالطبعنة!!!
وجاءت هيمنتهم بفضل رجال القانون والأعلام والصحافة والتعليم والأدب والفن، الذين دعموا هذه الطبعنة وأعتبار سيطرتهم على الحياة السياسية والأقتصادية والأجتماعية امر طبيعي ومن طبائع الأمور!!!
وبرزت هذه الظاهرة بوضوح فى انتخابات مجلس الشعب ٢٠١٠، وأستخدمت التيارات الأسلامية نفس الوسيلة فى أستفتاء ٢٠١١، وأنتخابات رئاسة الجمهورية ٢٠١٢، ومن بعدها انتخابات مجلسي الشعب والشوري، الطبعنة والشرعنة بموجب الأموال السوداء والتمويلات المشبوهة..
فأصبحت كافة الأنتخابات مشكوك فى شرعيتها ونزاهتها حتى قامت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا مقاليد الأمور، لتجري انتخابات الرئاسة ٢٠١٤، ويتولى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية.!
وتم ترسيخ مبادئ التعددية وسيادة القانون فى دستور ٢٠١٤، والأشراف القضائي الكامل قاضي لكل صندوق، ودخول العملية الأنتخابية سواء أستفتاءات أو أنتخابات للهيئة العامة للأنتخابات لجميع الأجراءات بدون وجود أي عنصر أداري.!
فأجريت انتخابات مجلس النواب ٢٠١٥، والأنتخابات الرئاسية ٢٠١٨، والأستفتاء على التعديلات الدستورية ٢٠١٩، وأنتخابات مجلس الشيوخ ٢٠٢٠، وأنتخابات مجلس الشيوخ ٢٠٢٠، حيث نجحت الهيئة العامة للأنتخابات فى تطبيق معايير النزاهة الإجرائية والشفافية الأنتخابية التى يصعب التشيكيك فيها، وهو ما اكدته كافة التقارير الصادرة عن المراكز الحقوقية الخارجية والداخلية، بل أن العملية الأجرائية قمة النزاهة والشفافية، أفضل من انتخابات الرئاسة الأمريكية ٢٠٢٠، التى وصفها الرئيس الأمريكية بالمزورة!
ولكن هذا هو الجانب الشكلي الأجرائي، فما هو حال الجانب الموضوعي التطبيقي فى الشارع الأنتخابي؟؟
آفة شعوب العالم الثالث الفقر والمرض والجهل والفساد، والسبب فى ذلك يرجع إلى تعلق أمال وأحلام الشعوب بتلك الدول بالقائد السياسي المنقذ، الذى ينتشلهم من الفقر وتراجع معدلات التنمية الأقتصادية، وقدرته على التصدي لتهاوي المنظومة الإدارية والمالية المترهلة التى تعاني منها مؤسسات الدولة والتى عجزت عن التصدي لإشكالية الفساد.!
فأختار الشعب المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأنه قائد يعمل بقوة الأقناع، يقدم مشورته المستساغة وهو غير أسير لحزب سياسي، فقد سما بنفسه فوق الأحزاب، رجلا يحترم الدستور والقانون، يسعى على مطالب عموم البلاد، حارثا للتراث القومي، إذا تعرضت سفينة الدولة للخطر لزمه فى هذه الساعة أن يقف إلى جانب أعوانه يؤازهم ويبصرهم، وله من المكانة الشخصية وثقة مواطنيه، وتوقير العامة والخاصة، مما جعل منه صمام الأمان والأطمئنان لدى جميع أفراد الشعب.!!
إلا أن الثقافة السياسية والحالة النفسية للمرشحين والناخبين مسألة بالغة التعقيد، وهو ما أبرزته انتخابات مجلس النواب ٢٠١٥، مجلس الشيوخ ٢٠٢٠، مجلس النواب ٢٠٢٠.
القراءة النفسية للحالة الثقافية السياسية فى الشارع المصري، أي سلوك الأفراد والجماعات التى تشكل الثفافة السياسية بشكل عام، يتبين لنا من قراءة الواقع سطوة المال الأسود (الغير مشروع)؛ ودوره البارز الذى لايمكن إغفاله فى أفساد الحياة السياسية، تمويلات ومبالغ ضخمة دفعت العديد من النخب إلى الإنسحاب من المسرح السياسي ترشيحا وتصويتا، فقد تولد لديهم القناعة بأن المال الأسود هو من يشتري المقعد النيابي. فأصبح لرجال المال والأعمال والأسر الثرية دور بارز في حسم النتائج النهائية للحياة السياسية، سواء عن طريق حزب بعينه أو أشخاص يضمن ولائهم للتوجيه من قبل هذه الطبقة.
فأصبح لهم دور فى تمويل الحملات الأنتخابية وتحديد الأعضاء ومعهم بعض مؤسسات الدولة التى تساندهم سرا وعلنا!! سواء كان النظام الأنتخابي بالقائمة أو بالفردي والسبب فى ذلك أستغلالهم للحالة النفسية للمواطن الفقير المريض الجاهل، وأقراره بأحقية هذه الطبقة فى الهيمنة على الحياة السياسية لأنهم مشاهير وأغنياء، فأصبح من الشائع التصويت للمرشح الذى لايحترمه النخبة المثقفة المتعلمة!
فأصبح تأثير المال ظاهرة لافتة للأنظار، خاصة مع تزايد حجم الأنفاق الأنتخابي فى ظل غياب التنظيم القانوني الرقابي على النفقات، لأن البدرومات والمخازن ومقرات الشركات، تحولت إلى خزائن مالية بعيدا عن أجهزة الدولة..فقد أصبحت الرشوة الأنتخابية عرفا راسخا فى الأنتخابات تمنح لذوي الحاجة والفقراء وهم كتلة تصويتية، فى صورة توفير وسيلة نقل لهم حتى لجان الأقتراع، ومنح صاحب الصوت الأنتخابي كرتونة سلع غذائية، أو كوبون بفئة مالية يصرف من أحد المراكز التجارية، أو عملة ورقية حسب حالة الدائرة الأنتخابية ٥٠ جنيه، ١٠٠ جنيه، ٢٠٠ جنيه..ليصبح الأثرياء دور بارز فى الحياة السياسية، طبقة مؤثرة على استعداد أن تفعل المستحيل من أجل أن يستمروا فى جمع المال الأسود ومص دماء الشعب، عكس الغاية التى تهدف لها الدولة الديمقراطية نتيجة تداخل المال السياسي الأسود.
والملاحظ أن المرشح فى الأنتخابات النيابية وخصوصا مجلس النواب ليس لديه برنامج أو خطة تشريعية ورقابية واضحة، ولكن حملته قائمة على حل المشكلات لدائرته التى ترشح عنها بدلا من أجهزة الدولة ومؤسساتها، فكل اهتمامه مشكلات التعليم، والعلاج على نفقة الدولة، وتقديم الخدمات بالتأشيرات سواء بمقابل أو دون مقابل.
والآن مع اقتراب انتهاء انتخابات مجلس النواب ٢٠٢٠، هل تغيرت ثقافة المواطن للحياة السياسية؟؟
ولايمكن ألقاء اللوم على الرئيس لأنها ثقافتكم وديمقراطيتكم ردت إليكم.!!!
هل هضم الناخب المرشح الذى منحه صوته؟؟ هل يمكن أن يكون العضو المختار قادر على تحقيق طموح شعب وليس اهل دائرته بأعتباره ممثلا للشعب بأكمله؟؟ هل الراشي الذى قدم قدم رشوة للحصول على صوت الناخب يصلح أن يكون مشرعا أو رقيبا ؟؟
هضمت الكرتونة ولكن أصبت بتلبك معوي لمدة خمس سنوات!!!
ثقافة شعب وتجربته الديمقراطية مابين التسويد والكرتونة
كاتب المقال: خبير القانون الدستوري والقانون العام