الكاتب : ممدوح المهيني |
07:28 pm 08/10/2020
| رأي
| 3892
لقد تحوّل مصطلح «الحرب على الإرهاب والتطرف» إلى بضاعة رخيصة الثمن تُستخدملأغراض دعائية. لقد تكررت على مسامعنا لعقود، ولكن النتائج مخيبة على أرض الواقع. فقد زادت أفكار التطرّف العنيفة حدة وظهرت تنظيمات إرهابية أكثر بطشاً ودموية.
هناك صراع في منطقة الشرق الأوسط بين خطابين مدعومين من دول وقوى سياسيةتحمل رؤى وأهدافاً مختلفة جذرياً لمستقبل المنطقة. الخطاب الدعائي الذي يقدّم نفسهبصورة المحارب للتطرف، بينما ينتهج سياسات تتعارض مع مبادئه المعلنة، وخطاب آخريدعو لترسيخ مفاهيم التسامح والتعايش على الأرض بصورة راسخة ونهائية.
تتبنى تركيا وحليفتها قطر الخطاب الأول. إن حذف هذين البلدين من الخريطة لدقائقفقط سيجعل أي باحث منصف عن الحقيقة يرى الأضرار الجسيمة التي سنكون بغنىعنها لو كان هذان البلدان غير موجودين. ولكنهما موجودان في الواقع ويكملان رؤيتهمالتدميرية في دعم جماعات التطرّف ودعم الميليشيات في دول عدة تماماً على الطريقةالإيرانية التي تموّل وتدرب ميليشياتها الإرهابية المتنقلة في عدد من الدول العربية.
لقد تحولت تركيا في عهد الرئيس إردوغان إلى الوجهة المفضلة لأصناف مختلفة منجماعات تقوم بضمان استمرار المد الفكري الآيديولوجي المتطرف وتستخدم لتنفيذأجندات أنقرة في تشكيل ميليشيات مسلحة لخدمة أهدافها في سوريا وليبيا وغيرهمامن البلدان. وتواجه هذه السياسات المتهورة انتقادات من داخل تركيا نفسها، ومنشخصيات سياسية معروفة، حيث انتقد مؤخراً كمال كليغدار أوغلو رئيس حزب الشعوبالتركي سياسات حزب العدالة والتنمية بدعم جماعات «الإخوان» واستعداء الدولالعربية الكبيرة.
من جهة أخرى، تلعب قطر أدواراً متعددة في إبقاء الخطاب المتطرف على قيد الحياةوتؤدي دور الممول المضمون لكثير من الجماعات والجمعيات المتطرفة حتى في داخلأوروبا (كريستيان شينو أحد مؤلفي كتاب «أوراق قطرية» يكشف بالأرقام كيف أغرقتقطر أوروبا بالجماعات المتطرفة عبر دعم مشروعاتها بمبالغ وصلت إلى 260 مليونيورو). وعندما تملك هذه الجمعيات المال المتدفق بلا حساب من الدوحة فإنها ستقومبمواجهة خطاب التسامح والأخوّة الإنسانية الذي يسعى لأن يجد له مكاناً في عقولوقلوب ملايين من المسلمين. ورغم أن الدوحة تدَّعي محاربتها للإرهاب وقامت بمحاكماتصورية لشخصيات صنفتها الخزينة الأميركية في قوائم الإرهاب مثل مموّل «القاعدة» عبد الرحمن النعيمي فإنه في حقيقة الأمر مطلق السراح، ويتحرك بحرية كاملة، ويحضرالمسؤولون القطريون حفل زواج أبنائه أمام كاميرات المصورين.
الإدارات الأميركية المتعاقبة ترتكب خطأ جسيماً بالتساهل مع هذه القوى التي تضخ الدمبلا انقطاع للآيديولوجيات المتطرفة، وبالتالي توفر الحياة لكل التنظيمات الإرهابيةالتي تنتعش فقط بوجود الدعم المالي والفكري بلا رقيب أو حسيب، رغم الدعاية المزيفةالبراقة الموجهة للغرب.
ولهذا نفهم أن مقاطعة الدوحة هي خطوة حاسمة وتاريخية للقضاء على مثل هذا العبثالصريح حيث أخذت السعودية ومصر والإمارات والبحرين على عاتقها القضاء على مثلهذا السلوك المزعزع والخطير ليس في منطقة الخليج فحسب، ولكن في منطقة الشرقالأوسط، وربما العالم. وقد رأينا الأفكار المتطرفة تنتشر بسرعة وتتشكل على هيئةتنظيمات إرهابية وتنتقل بسهولة من مكان لآخر وذلك بسبب داعمين لها.
وتخوض الدول الأربع حرباً حقيقية تحدث أمام أعيننا وليست دعائية للحد من خطابالعنف والتطرف وتعزيز مفاهيم للتسامح والتعايش داخل حدودها أولاً، وفي منطقة لمتعرفها منذ وقت طويل. وبسبب هذه الحرب نرى التحالف الكبير بين القوى المتطرفةالسنية والشيعية الساعية لتشويه أهدافها ولتلطيخ سمعة قياداتها.
إن هذه الأفكار المضيئة تنسجم بشكل كامل مع رؤية هذه الدول في خلق بيئة صالحةوصحية أخلاقياً وإنسانياً واجتماعياً واقتصادياً، وهزيمة داعمي ثقافات الكراهيةوالتطرف بأسرع وقت، قبل أن تتلوث بها الأجيال الصاعدة. إنها بلا شك الحرب التي
تستحق أن يطلق عليها حرب النبلاء.
نقلا عن "الشرق الأوسط"