الكاتب : د أحمد هندي |
08:57 am 07/10/2020
| رأي
| 2258
لا خلاف بين فقهاء القانون الدستوري وقضاة المحكمة الدستورية العليا حول القواعد والآطر النظرية، مع ضرورة مراعاة الظروف العملية المقيدة للصالح العام دون مخالفة القانون فيما يتعلق بأختيار النظام الأنتخابي الأصلح للمواطنين..
وهو ما أكدته المادة ١٠٢ من الدستور المصري الصادر عام ٢٠١٤، فلم تلزم المادة المشرع بشكل محدد للأنتخابات بالنص على أنه (........، ويجوز الأخذ بنظام الأنتخاب الفردي أو القائمة أو الجمع بينهما)!!
وأنحاز المشرع إلى الجمع بين النظام الفردي والقائمة فى قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم ٤٥ لسنة ٢٠١٤، وقانون مجلس النواب رقم ٤٦ لسنة ٢٠١٤، وقانون تقسيم الدوائر وقرارات اللجنة العليا للأنتخابات رقم ٢٠٢ لسنة ٢٠١٤، بأن يتكون مجلس النواب من ٥٩٦ عضوا، ٤٤٨ عضوا بالنظام الفردي، و١٢٠ عضوا بنظام القائمة المغلقة.
وقام المشرع بتعديل القانون رقم ٤٥ لسنة ٢٠١٤، بالقانون رقم ١٢٠ لسنة ٢٠٢٠، بالجمع بين نظامي الفردي والقائمة بواقع ٥٠٪ لكل منهما، ليكون تشكيل المجلس ٢٨٤ عضوا بالنظام الفردي، و٢٨٤ عضوا بنظام القائمة المغلقة، على أن يتم تخصيص مالا يقل عن ٢٥ ٪ من عدد المقاعد للمرأة، وتسعة مقاعد للأقباط، وستة للعمال والفلاحين، وستة للشباب، وثلاثة لذوي الأعاقة، وثلاثة من المقيمين في الخارج.!
وهنا على فقهاء القانون الدستوري أن يدلوا بدلوهم فى هذا النظام ومدي ملائمته لطبيعة المجتمع المصري، وبيان مدى نجاح المشرع فى تصميم وصياغة نظام أنتخابي يرسخ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص والحياد والنزاهة ويلائم تركيبة المجتمع بتقاليده وعاداته وأعرافه الأجتماعية.
وهنا نلاحظ أن المشرع لم يراعي المبادئ الأساسية العليا التى لايجوز المساس بها، وأهمها مبدأ المساواة أحد أهم المبادئ الجامدة فى كافة التشريعات السماوية والوضعية، طبقا لنص المادة ٥٣ من الدستور المصري التى تنص على أن ( المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لاتميبز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الأعاقة، أو المستوى الأجتماعي، أو الأنتماء السياسي، أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر،.....)
وأيضا المادة التاسعة من الدستور المصري التى تنص على أن ( تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز..
ومؤدي ذلك فإن نص المادة التاسعة والمادة ٥٣ من الدستور المصري مواد جامدة مترابطة متكاملة، إلا أن المشرع المصري ودون مقتضي لذلك ميز فئات من المرشحين دون غيرهم تمييزا قائما على الجنس، والدين، والأعاقة، والأنتماء الجغرافي!!!
وهو مايعد مخالفة صريحة للمادة ٨٧ من الدستور المصري التى تنص على أن مشاركة المواطن فى الحياة واجب وطني، ولكل مواطن حق الأنتخاب والترشح وأبداء الرأي فى الأستفتاء، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق،........).
وبالتالي فإن حق الترشيح من الحقوق والواجبات العامة التى لاتقبل التخصيص فيها، إلا أن المشرع قد خالف النصوص الدستورية الجامدة وأهمها مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة، الذى يقضيان بأن تكون الفرص متساوية بين الكافة، وبناء على ماسبق فإن القانون رقم ٤٥ لسنة ٢٠١٤، والقانون ١٤٠ لسنة ٢٠٢٠، قد أخلا بحق المواطنين فى الترشيح فى أنتخابات مجلس النواب على قدم المساواة.
ولدينا أن الجمع بين نظامي الفردي والقائمة يعد من أسوأ البدائل، لأنه يعدم الأحزاب السياسية والتعددية التى نصت عليها المادة الخامسة من الدستور، وهو ما أدى إلى خلق حالة من الصراع داخل الأحزاب السياسية وهو ماتشهده الأحزاب عند تشكيل قوائمها لخوض الأنتخابات.
بالأضافة إلى ماسبق فإن تحويل النظام الأنتخابي إلى القائمة المغلقة المطلقة يصب فى مصلحة جماعات وقوي سياسية أكثر قدرة من جميع النواحي للسيطرة على المشهد الأنتخابي والبرلماني، وأسقاط قطاع عريض من الشعب وحرمانه من ممارسة حقوقه فى الترشح، فعلي الناخب أن يبدي رأيه بأختيار أحد القوائم بأكملها دون أجراء أي تعديل فيها، أو معرفة المرشحين بعد ظهور الأئتلافات الحزبية فى صورة القوائم الوطنية، والأغلبية المطلقة ٥٠٪ + ١ صوت يعني ان ٤٩ ٪ من الناخبين لاوجود لهم في التشريع والرقابة!!
ومما لاشك فيه أن الأنظمة الأنتخابية الثلاثة سواء الفردي أو القائمة او الفردي والقائمة معا فى المجتمعات المتخلفة، لابد وأن تصاب بداء الرشوة الأنتخابية الراسخة فى حياتنا السياسية، والرشوة وأن كانت شديدة الخطورة فى الظروف العادية، فأنها تصبح أشد فتكا من الوباء المدمر فى ظروف الضائقة الأقتصادية التى تمر بها فئة الفقراء الذين يساقون إلى اللجان الأنتخابية مثل الأنعام بل هم أضل سبيلا.
ومن هنا فإن المفاضلة بين المرشحين لن تكون على أساس الكفاءة العلمية، أو الكفاءة الخلقية، أو التمسك بأنظف القيم، وإنما سيكون السباق والسبق على أساس من يدفع ثمن الصوت..
ومما يؤسف له أن الغالبية العظمى من الناخبين يؤثرون العاجلة الزائفة على الآجلة النظيفة، فيصفقون ويهتفون لمن يدفع قيمة الصوت الأنتخابي ماليا أو عينيا، ودافع الثمن يريد أن يمتص دمائهم كلها بمجرد أكتساب العضوية والحصانة!!!
وبأفتراض الطعن بعدم دستورية القانون ٤٦ لسنة ٢٠١٤، والقانون ١٤٠ لسنة ٢٠٢٠، ستقضي المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانونين لعدم مراعاة المشرع النصوص الضابطة والحاكمة التى تقتضي أن يستمد القانون شرعيته ووجوده من نفس شرعية المبادئ الجامدة مبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة.
فيجب على المشرع أن يضع نصب عينيه فرضية أن فى علم السياسة لاتوجد مشكلة من دون حل، وأن لعبة السياسة وممارستها لاتقوم على أن يفوز فيها طرف فوزا ساحقا، وأن يتلقى الطرف الآخر هزيمة نكراء، لأن الغاية الأساسية من علم السياسة هو خلق نظام سياسي فعال، وبرلمان حر ديمقراطي، ولكن لسوء الحظ أن المشرع يشرع القانون له شخصيا دون الأيمان بالمبادئ العليا، أي أننا لإنزال مبتدئ سياسة..
وأستقراء جولات انتخابات مجلس النواب ٢٠١٥، ومجلس الشيوخ ٢٠٢٠، ومجلس النواب ٢٠٢٠، يجد ان عملية
الأنتخابات قد تحولت إلى لوغاريتمات يصعب على خبراء القانون الدستوري وقضاة المحكمة الدستورية العليا أيجاد حل لهذه الأزمة..وبالتالي فإن النظام الأنتخابي الأصلح لطبيعة المجتمع المصري هو النظام الفردي بنسبة ١٠٠ ٪، ويترتب على ذلك أن النظام الأنتخابي المطبق حاليا غير دستوري، ويؤثر على فكرة المشاركة الشعبية الكاملة، فالمشهد العام أن تشكيل مجلس النواب أصبح تقسيمة يتم توزيع نصفها على المرأة، والشباب، والأقباط، وذوي الأعاقة، والمقيمين فى الخارج، وهم بلا أدنى صلة بالسياسة ويمثلون عرائس المسرح!!
وهيهات ان تقوم الدولة الديمقراطية الحقيقية على فلسفة لاتحرص على تدعيم الدولة المؤسسية والعمل المؤسسي، لأن مجلس النواب لم ينجح خلال الفترة من ٢٠١٥ حتى ٢٠٢٠ فى أثبات وجوده التشريعي والرقابي، بل نفس مذاهب العتيقة.
.............................................
ملحوظة :
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للكاتب ، وحقوق النشر محفوظة لموقع المستقبل البترولي..