08:17 am 19/11/2019
| رأي
| 2090
ودون مُبرّر؛ كَمْ مِنْ أمّ تقف حائلاً صلداً؛ ومانعاً عنيداً لايلين.. يمنعُ سعادة شابين.. رزقهما الله حُبّاً فى الله.. نادراً ما يتماسّ وقلوب أهل الأرض فى زمننا هذا..
وأمام دموع روح جميلة.. تراعى شرع الله.. وفى حُزْنها تلتمسه حِلماً.. وفى عذاباتها صباحات ومساءات الوَلْعِ والشّوق المُباح ومَرارِالفَقْدِ؛ تأملُ مِنْ الله صَبْراً وهَوْناً.. وبسَحَر ليْل صلواتها ورؤايْات مَنْ يسكُن وتين فؤادها؛ تدعوه أن يَمِنّ عليها بمحبسها، فيرزقها سرعة الوصل وحُرْيّة لقاء الحبيب زوجأ وشريك حياة ووالد أولادها برحم المستقبل.. ذاكَ الشّاب الذى آثر البُعْد حتى يَرْضى رَبّه.. ويرقّ له قسوة واقع بموافقة ورِضى أمّ حبيبته.. وتقبّلها له زوجاً لابنتها الوحيدة..
ولايزل الجرح يغورُ، والأيّام تصهل فى عدوها بمِضْمار العُمْر.. والعام يجرّ العام؛ ولاتفارقه الآلام.. ويحلّ الذبول.. وَحْشٌ كاسرٌ هو الحُزْن قَيْد طول صمتٍ، يأكلُ أجمل سنوات الشباب دون ذنب، إلا أنّ والدتها.. ذات العائلة الثريّة؛ تأبى زواجها من نجل (حارس العمارة) المهندس الناجح.. ابن الأسرة البسيطة.. رجلٌ عصامى وحدّوتة تميّز وتفرّد يُقتدى بها ويُفتخر بثمارها.. وتتمنّاه أىّ فتاة شريك حَيْاة؛ بشهادة جميع مَنْ خَبَرهُ وعرفه وتعامل معه..
وأمام قلّة الحيلة.. وعدم اتخاذ اجراءات الغَصْبِ؛ والجَبْر؛ وفرض سياسة الأمر الواقع.. بكلّ احترام أمامك؛ تقفُ الشابّة الجميلة المهذّبة.. وحجابها الرقيق؛ يحاولُ إخفاء ندوبات تكاد تصرخُ.. تحفرها حِدّة سِيْاط وجعٍ؛ ببضّ وجهها.. ورقرقات بهاء الأمس؛ وتجفّ بأنامل غزو نحافة غادرة.. وعروق نافرة.. وبَيْن جفنيها مَىّ الدّمع يكادُ ينفجرُ؛ لولا حَيْاء كبريْاء.. ورُقىّ إحساس قلب عاشق..
وأمام تمسّك الشاب بحُبّه.. والإصْرارِ الجميل على الإيمان؛ بأنها نصيبه وقسمته فى الدّنيا.. واثبات أنّه يستحقّ العطاء الربّانى الأدرّ والأجلّ بالأرض.. والتزامه الأخلاقى والأدبى على المستوى الإنسانى.. أجدنى أعود لقصّة الحُبّ التى لم تكتمل.. والتى نثيرها بَيْن الحين والآخر..
وأتوجّه لقلب السيدة الفاضلة الأمّ.. وأروى لها قصّة عاشق الأصمعى الجميل..
مَنْ يدرى..؟
لقد كان الأصمعى بمدينة البصرة.. وكان الوالى خالد عبدالله القسرى أميرها.. ودخل عليه بإحْدى مجالسه.. فوجد القوم من حوله يمسكون بشاب (ذى كمال.. وجه زاهر.. وأدب ظاهر.. وحسن الصورة.. وطيب الرائحة.. وجميل الهندام.. عليه وقار وسكينة)
فقدموه للأمير خالد والى البصرة.. فسألهم عن قصّة هذا الشاب.. فقالوا له:
ـ هذا لِصٌّ؛ وجدناه البارحة في منازلنا..
ولمّا نظر إليه الأمير؛ أعجب بحُسن هَيْئة الشّاب ونظافته، ثم قال لهم:
ـ خلّوا عنه..؟
ثم قرّبه منه، وراح يسأله عن قصته.. فقال الشاب:
ـ إنّ القول ما قالوه، والأمر ما ذكروه..
فيردّ عليه:
ـ وما حملك على ذلك؛ وأنت في هيئة جميلة وصورة حسنة..؟
فيقول:
ـ حملني الشرّ في الدنيا، وبذلك قضى الله سبحانه وتعالى..
فيقذفه الوالي:
ـ ثكلتك أمّك..!
أما كان لك في جمال وجهك؛ وكمال عقلك، وحسن أدبك زاجر عن السرقة..!
ويردّ الشاب:
ـ دع عنك ذلك أيّها الأمير، وأنفذ ما أمرك الله تعالى به، فذلك بما كسبت يداي..؟
فجلس الأمير ساعة يفكر..ثم دنا منه، وقال له:
ـ إن اعترافك على رؤوس الأشهاد قد رابني، وأنا ما أظنك سارقًا، وإن لك قصة غير السرقة، فأخبرني بقصتك..؟
فيصرّ الشاب:
ـ أيها الأميرلايقع في نفسك سوى ما اعترفت به، وليس لي قصة أشرحها لك؛ غير أني دخلت دار هؤلاء، فسرقت منها مالًا، فأدركوني وأخذوه مني، ثم حملوني إليك..
فأمر الوالي بحبسه.. وجعل منادي البصرة يُعلن للناس؛ من يريد أن يحضر عقوبة فلان اللصّ وقطع يده؛ فليحضر من الغد..
ولما وضع الشاب في السجن؛ تنفس الصّعداء؛ ثم أنشد يقول :
ـ هددني (خالد) بقطع يدي/ إن لم أبح عنده بقصتهـا
فقلت: هيهات أن أبوح بما/ تضمن القلب من محبتها
قطع يدي بالذي اعترفت به/ أهون للقلب من فضيحتها
ويسمعه الحُرّاس.. فيأتون به إلى الأمير.. وأخبروه بتلك الأبيات.. ويأمرُ بإحضار الشاب عنده.. ويحضر الشاب؛ ويأمر بالطعام؛ ويأكلا سويا؛ ويتحدثا.. حتى قال له الأمير:
ـ قد علمت أن لك قصة غير السرقة، فإذا كان غدا؛ وحضر الناس والقضاة؛ سألتك عن السرقة فأنكرها.. واذكر فيها شبهات؛ تبعد عن القطع..
ويصدرُ تعليماته؛ُ بعودته إلى السجن مرة أخرى.. وفي الصباح؛ يحضر رجال وسيدات أهل البصرة؛ ليروا تنفيذ عقوبة الشاب.. ويدعو الأمير القضاة.. ويحضرُ الشاب في قيوده.. وكانت النساء تبكي عليه؛ وتعلو أصواتهن.. فيصيح فى الناس ليغشاهم الهدوء والسكينة..
ويتوجّه والي البصرة إلى الشاب بحديثه:
ـ إن هؤلاء القوم يزعمون أنك قد دخلت دارهم.. وسرقت من مالهم.. فبماذا تقول..؟
فقال:
ـ صدقوا أيها الأمير..
فقال له الوالي:
ـ علّك سرقت دون النصاب..؟
فيردّ:
ـ بل سرقت نصابًا كاملًا.. هو جميعه لهم؛ لا حقّ لى فيه..
ويقومُ الوالي غاضبًا، ويضربه بالسّوط، ودعا بالجلاد ليقطع يده.. ويتهيأ الجلاد.. وتهرولُ جارية من صفّ النساء.. تجرى ناحيته.. وتلقى بنفسها عليه.. وفى هلع تصيح وتصرخ.. ثم تخرج ورقة.. وترميها فى حجر الوالى خالد.. ويفتحها.. رُقعة؛ مكتوب فيها :
ـ خالدُ هذا مستهام متيمٌ/ رمته لحاظي من قسي الحمالق
فأصماه سهم اللحظ مني فقلبه/ حليف الجوى من دائه غير فائق
أقر بما لم يقترفه لأنه/ رأى ذاك خيراً من هُتَيْكة عاشق
فهلا على الصب الكئيب لأنه/ كريم السجايا في الهوى غير سارق
فلمّا قرأ الأبيات؛ تنحّى وانعزل قليلاً عن النساء.. وأحضر المرأة العاشقة.. وسألها عن القصة..
فأخبرته أنّ الفتى يحبها.. وهو عاشق لها.. وهي أيضًا كذلك تتألم وتتوجع.. فأراد زيارتها.. وأن يعلمنى بمكانتى بروحه.. ويحاول يخبرنى؛ بأنّه يودّ رؤيتى.. ويتقدم لى.. ويغدو شريك حياتى ويتحمّل تبعات إباء أهل بيتى له.. فيرمى بحجر إلى الدّار.. فسمع أبى خوتى صوت ارتطام الحجر.. ويعرف الجميع بالأمر.. فجمعوا قماش البيت وجعلوه سُرّة.. فأخذوه.. وقالوا هذا سارق.. فاعترف بالسّرقة.. وأصرّ عليها.. وهان عليه قطع يده؛ حتى يسترّ علىّ؛ ولا يفضحني.. وهذا لمروءته وكرم نفسه..
ويستدعى الوالى الشاب.. ويحتضنه.. ويُقبّل ما بين عينيه.. ويأمر بإحضار والد الفتاة.. وقال له يا شيخ:
ـ إنا كنا قد عزمنا على إنفاذ الحكم على ذلك الفتى بقطع يده؛ ولكن الله عصمه من ذلك.. ولكني أمرت له بعشرة آلاف درهم؛ لحفظه لعرضك وعرض ابنتك؛ وصيانة لكما من العار.. وقد أمرت لابنتك بمثلهم.. وأنا أسألك؛ أن تأذن لي بتزويجها منه؟
فقال الشيخ: قد أذنت بذلك. .
،،،،،
سيدتى؛ الأمّ الفاضلة.. إرادة الله الله تحكمنا..
والحُبّ فى الله رزق.. وبشرع الله يُكْتَملُ.. وقد آتاكم.. وطرق بابكم من تقبلون دينه وخُلقه.. فزوّجوه..
روحان لم يتماسّا ظلّهما ضرّاً.. لم يسعيا للحُبّ لهوا ولا عبثاً.. ووهبهما إيّاه الربّ والتزما..
ألا بنعمة السّترِ والزواج يستحقّا..!
وليس بعد رأىّ الله قولًا..!
وإلى لقاء؛ ن كان في العمر بقية.. ومايجدّ في قصة (حُبّ لم تكتمل!)..
مَنْ يدرى..؟