للاعلان

Mon,25 Nov 2024

عثمان علام

د. ياسر عبد العزيز يكتب : أزهى عصور التفاهة

د. ياسر عبد العزيز يكتب : أزهى عصور التفاهة
د ياسر عبدالعزيز

02:06 am 17/11/2019

| رأي

| 2102


أقرأ أيضا: Test

تتصاعد الهجمات ضد المحتوى الذى يتم ترويجه عبر وسائط التواصل الاجتماعى يومًا بعد يوم، وهى هجمات لا تعوزها أدلة، إذ بات واضحًا أن هذا المحتوى، رغم انطوائه على فوائد ومزايا مدهشة، مازال عامرًا بالكذب والاختلاق والتحريض والكراهية والتفاهة.

ومع ذلك فإن هذه الوسائط تزدهر، ويزداد عدد متابعيها، وتتضاعف المُدد التى يقضيها الجمهور متفاعلًا معها، وهى ببساطة باتت فى طريقها لكى تحتل معظم أوجه النشاط الاتصالى للعموم.
فإذا سألنا: ما الذى يجعل هذه الوسائط تتمركز فى أفضل المواقع بالنسبة للجمهور، وتزيد حصتها باطراد فى الهيمنة على نشاطهم الاتصالى؟
يأتى الجواب: الإتاحة، والسهولة، والنفاذ، والتفاعلية، والجاذبية، والمجانية، وقدر نادر من الحرية، واتساع نطاق القضايا المعروضة عبرها، وسماتها التقنية المتعددة القادرة على الربط بين أكثر من نوع من أنواع العرض والتقديم.
وبموازاة هذه المزايا، التى يصعب جدًا أن تُقاوَم، يمكن أن أضيف عاملًا غاية فى الأهمية لا يلتفت إليه كثيرون، وهو عامل لا يتعلق مباشرة بهذه الوسائط الجديدة الآسرة بقدر ما يتعلق بالنسق المنافس لها، والمقصود به ما يمكن تسميته «الإعلام التقليدى».
ولكى نُقرِّب المسألة، فثمة تمرين يمكن أن يقوم به أى من أفراد الجمهور بنفسه، وأن يخصص دقائق قليلة لكى يستخلص عبره إجابة.
أما التمرين الذى أطلب إلى أفراد الجمهور المهتمين القيام به، فليس سوى أن يمنح كل منهم يومًا كاملًا لمتابعة وسائل الإعلام التقليدية الوطنية، من أول اليوم إلى آخره، ثم يسأل نفسه: ما الذى حصلت عليه؟
من جانبى، فقد قمت بهذا التمرين، وكانت النتيجة ما يلى:
مجموعة من الأفلام والمسلسلات التى يمكن أن أشاهدها عبر وسائط التواصل الاجتماعى، وعدد من الأغانى التى يتم عرضها بكثافة عبر تلك الوسائط بميزة أكبر وأفضل بكل تأكيد، حيث يمكنك فى تلك الوسائط أن تتعرض للمواد التى ترغبها فقط، وليس تلك التى يرغب أحدهم فى أن تشاهدها، ويختارها لك بنفسه.
إضافة إلى هذه العروض الترفيهية، فثمة عدد من برامج الأحداث الجارية «التوك شو»، وهى برامج يقوم عليها مذيعون يقدمون أنفسهم بوصفهم فلاسفة أو أنبياء أو أمناء وطنية أو محتكرى حقائق. وهم يقدمون إليك ما يعتقدون أنه الصواب والحق والنافع والضرورى، من وجهة نظر واحدة، وعبر طريقة الوعظ والإرشاد.
لا يستخدم هؤلاء المذيعون تقنيات التليفزيون المميزة فى العرض والشرح والتوضيح، وهم يكتفون فقط بإبراز ما يعتقدون أنه مهم عبر الصراخ، باعتبار أن هذا الأمر كافٍ للإقناع، وبعضهم لا يتورع أيضًا عن توجيه السباب والخوض فى أعراض المختلفين معهم، هكذا من دون أى دليل أو ضبط أو توثيق.
فإذا تركت ذلك كله، وذهبت إلى الإذاعة، فستجد عددًا كبيرًا من الإذاعات ذات الأسماء البراقة، وستستمع إلى أصوات مذيعين معظمهم من الشباب، وهؤلاء سيقيمون فى العادة مسابقات، وستكون الأسئلة من نوع: «إيه أحلى أكلة بتحبها من إيد الوالدة؟»، أو «اذكر عيوب صديقك المقرب»، أو «احكى لنا لما رُحت الشغل مع باباك أو مامتك.. حصل إيه؟»، وفى أحد هذه البرامج كان سؤال المسابقة: «ما الشىء الذى كان يحمله والدك وهو راجع من الشغل؟»، إضافة طبعًا إلى أسئلة الألغاز، من نوع: «إيه الحاجة اللى مش ممكن تستفيد منها إلا لما تكسرها؟».
فإذا انتصف الليل، وحل الهدوء، أطَلّ صوت هذا المذيع برخامة وجدية تحسبها جادّة، حين يسأل- ضاغطًا على الحروف- تلك المتصلة المراهِقة: «عندك كام سنة؟ إنتِ مرتبطة؟».
هل هذا ما بِتْنا نحصل عليه من منظومتنا الإعلامية الوطنية؟ وهل هذا كافٍ لكى نسأل السؤال: لماذا ينصرف الناس عنها؟

أقرأ أيضا: توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟