الكاتب : محمد علي إبراهيم |
07:25 am 21/10/2019
| رأي
| 1958
أول إبريل 1982.. منحة دراسية 3 أشهر لبريطانيا.. زرتها فى السبعينيات شابا يبحث عن فرصة عمل وزيارة مسقط رأس شكسبير فى ستراتفورد أون افنون ومدفن ديكنز فى ويستمنستز ومنزل كيتس رائد الرومانسية فى هامبستد هيث.. دراستى للأدب والشعر الإنجليزى أثرت فى تكوينى وأصبحت مسكونا وشغوفا بهذه الثقافة.. لكنى الآن أزورها كصحفى يحلم بأقدم نموذج للديمقراطية فى العصر الحديث.. بلد يحكمها قانون الماجنا كارتا المكتوب فى القرن الـ12.. الإمبراطورية التى استعمرت العالم ليس لها دستور ورقى ولكن وثيقة صادرة عام 1215.. وصلت ممنيا النفس بمشاهدة جلسات مجلس العموم (البرلمان) وتلاسن المعارضة والحكومة وأعضاء المقاعد الخلفية The back benchers الذين لا يشغلون مناصب وزارية.. فالبرلمان هو المكان الوحيد الذى لا يحق للملك أو الملكة دخوله!
الملكة شعبها يعرف كل إسترلينى يدخل إليها والمبالغ التى تحولها الدولة سنويا إلى باكنجهام.. ولو أكلت تفاحة فى حديقة عامة يمكن أن تسقط عن العرش.. وصلت فى أول أسبوع لتولى مارجريت تاتشر الحكم عن حزب المحافظين خلفا لجيمس كالاهان زعيم حزب العمال الأسطورى.. تصور الجميع أنها ستنحاز إلى الطبقات الكادحة، خصوصا أن والدها «بقال» لكنها طبقت سياسة الخصخصة.. تخرجت كيمائية وعملت محامية! كانت أصغر عضو فى حزب المحافظين وانتخبت رئيسة للحزب عام 1975 وهى دون الأربعين عاما.. حملت تاتشر أفكارا جديدة للاقتصاد البريطانى للحيلولة دون انهياره ودعمت الاقتصاد الرأسمالى الحر مما عرضها لحملة عنيفة من حزب العمال الذى اتهمها بزيادة معدلات البطالة.. ثم قدم كالاهان مشروع قانون لخفض الإنفاق على التسليح والموازنة العسكرية.. كادت تاتشر أن توافق لتنجو من طرح حكومتها لاقتراع ثقة.. وفجأة سيطرت الأرجنتين على جزر الفوكولاند التى تبعد عن إنجلترا 480 كيلومترا.. هنا أعلنت المرأة الحديدية الحرب.. ومن الذى ساندها! خصمها جيمس كالاهان الذى سحب مشروعه.. دخلت الانتخابات مرة ثانية بعد الحرب 1983 أمام كالاهان أيضا وفازت عليه للمرة الثانية.. لكنها واجهت مشكلة إضراب عمال المناجم وكانت إنجلترا لا تزال تعتمد على الفحم فى الصناعة قبل اكتشاف بترول بحر الشمال الذى نقلها اقتصاديا لمرتبة أعلى.. قدمت مشروع قانون لحماية حقوق العمال ومرة أخرى يؤيدها كالاهان.. وللسنة الثالثة على التوالى يؤازرها كالاهان فى بيان قوى من حزب العمال المعارض عندما تعرضت لمحاولة اغتيال عام 1984 على يد الجيش الجمهورى الأيرلندى.. أكد الزعيم العمالى فى بيانه أن تاتشر خصمه السياسى ويختلف مع إجراءاتها الاقتصادية تماما لكنها الآن تمثل بريطانيا الوطن والاعتداء عليها يمثل انتهاكا صارخا للأسد البريطانى (الرمز).. إذن المعارضة لا تعنى هدم النظام أو الحكم.. المعارضة الوطنية تكون من داخل الـregime أو السيستم.. فى أزمات تاتشر المتعددة مع حزب العمال بل ومع أعضاء حزبها أحياناً لم تقل إنهم خونة أو أعداء للوطن.. الحساب بين الحزبين يكون داخل البرلمان وفى الصحافة.. مناقشات حضارية وآليات تستدعى المسؤول وتحاسبه علنا وإعلام حر يطلق القذائف الثقيلة.. بل إن الإنجليز يقولون إن بلدهم به ديمقراطيتان مجلس العموم وفليت ستريت (شارع الصحافة).. أمام الديمقراطية الحقيقية تنحنى الرؤوس.. أذكر قبل 3 سنوات أن طرد البوند ستاج (البرلمان الألمانى) المستشارة الأسطورية ميركل، لأنها وجهت ألفاظاً قاسية لنواب من حزب الخضر والاشتراكى الديمقراطى.. الخطوط الحمراء فيما يخص الأمن القومى فقط.. لكننا أصبحنا فى مصر نظام واحد.. كتلة صماء تضم النظام والمعارضة.. اختلط الحابل بالنابل.. لو هناك معارضة حقيقية لن تخرج مظاهرات أو دعوات للفوضى.. مجلس النواب الحكومى يسمونه فى اللغة الإنجليزية rubber stamp parliament أى «بصمجية» وأعيذكم أيها الأعضاء الموقرون فى مجلس نواب بلادى أن تكونوا هكذا.. عارض السياسات الاقتصادية والأولويات العشوائية لكن لا تقف مع عدوك على منبر واحد مهما كانت الإغراءات.. المعارضة التى شاهدتها فى الغرب غير تلك الموجودة فى مصر.. ليست صحفا وحلقات تليفزيونية مسائية.. ولكنها برامج بمشروعات قوانين.. معارضة محترمة تحت قبة البرلمان.. وطالما أن مصر لا تريد أحزاباً الآن نطالب بأن تبدأ الحكومة بالرد على ما يتردد فى السوشيال ميديا.. لنجعل الخطوة الأولى للديمقراطية معارضة من داخل النظام.. لا ننتظر تحركا غاضبا أو فيديو متداولا لتنهض من سباتها.. الثابت الآن أن نسمة الديمقراطية التى تسللت لحياتنا مؤخراً قد أغلقت من دونها النوافذ.. المعارضة قوة وقدرة يا حكومة.. قوة طرح برامج تنصح ولها رؤية مختلفة وقدرة الدولة على تفنيدها أو الأخذ بها.. النظام والمعارضة من نفس الشعب وبالتالى لا يمكن أن يصمت الجميع ويسمعوا صوتا واحدا فقط.. الرسول كان يسمع لأصحابه رغم أنه لا ينطق عن الهوى ومعصوم.. ليس ذنب الجماهير أن مطالبهم توحدت مع من تسمونهم أعداء 30 يونيو.. فقد خرج أنصار النظام الأسبق مع مؤيدى الحكم الحالى ليعلنوا مطالب واحدة فإذا بهم يجدون أنفسهم خونة مارقين.. مطلوب محاكمة الفشلة فى الميديا بسبب وصول المصريين لهذه الحالة من السخط وفقدان الثقة ومشاهدة الإخوان والجزيرة!!