12:34 pm 18/09/2019
| رأي
| 2331
ولا تزل الأحزان تطّردُ وفراق جسد طاهر شريف.. والنفس تفجع لمن يَنْتَزِعُ حُبّها ومعين مسارات دربها.. غيوم الأفق لا تسّاقط غيثاً بأرواحنا، بل تُغْرِقُنا انثيالات مطر.. وعصف وجع.. ورهبة ظُلمة قادم أيّام.. وانقباض روح، رغم يقينك أنّه الحقّ..ولكن صدمة الفجاءة.. وبُعاد ولا بُد فى موعد يختطفُ منك نور علم.. وهدى عقل ..إنّه موعد مع الربّ.. ورحيل فضيلة العلامة سعد الدين جاويش، الذى ولد عام 1941م، وحفظ القرآن الكريم في سنٍ مبكرة، ويلتحقُ بالأزهر الشريف، ويحصل على درجة الدكتوراه، من كلية أصول الدين، وينال درجة الأستاذية في علم الحديث، وكان من أبرز العلماء المتخصّصين في الحديث الشريف وعلومه، ويعين أستاذاً للحديث وعلومه بالأزهر، ويقيم حلقات العلم الشهيرة بالجامع الأزهر ، وغيره من دور العلم..
ويشرح كتاب الأربعين النووية في الجامع الأزهر، ويتصدر مجالس الحديث الشريف.. منها مجلس قراءة كتاب الشمائل المحمدية، وشرح أيضا كتاب الشفا للقاضي عياض..
ويتتلمذ على يديه عدد كبير من علماء الحديث في جميع أنحاء العلم، ويترك عدداً كبيراً من مؤلفاته تثرى المكتبة الإسلامية، منها (رفع الحرج عن الأمة في ضوء الكتاب والسنة)، (سنن الزكاة)، و(موقف السنة من التبرج)، و(السنة مسؤلية الأمة شبهات وردود)، و(آداب الدعاء)، و(آداب العلم)، و( جبر الخاطر في السنة النبوية).. وغيرها
ونحسبه بإذن الله حُسن الخاتمة، لهذا العالم الرباني الجليل، كما يقول يوم ختم قراءة صحيح الإمام البخاري قبيل يوم رحيله، وسط عدد كبير من طلابه.. وكان ينوي البدء في كتاب آخر من كتب السنة النبوية المشرفة.. ليتم 60 عاما فى خدمة الدعوة الإسلامية..
وظلّ ـ رحمه الله ـ بيته مفتوحاً للعلم.. يعمرُ مجلسه الطيّب ويترددّ عليه طلاب الأزهر الوافدين من كل مكان.. من ماليزيا والهند وأندونيسيا غير محبيه ورواده من المصريين..ويتعالى بُكَاء الرّجال.. وتسمعُ صَوْت نشيج النساء؛ وهم يودعون جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير.. وينصرفُ النّاس.. ويبقى يجلس الأخوة الوافدون يقرأون القرآن.. سورة (تبارك) وسورة (يس)، ويدعون لمولانا الراحل الكبير..
وتقابل أحدهم.. يقول لك:
ـ لقد ختمت للشيخ ختمة أو ختمات.. والآخرون على دربهم يسيرون..
،،،،،
وعقب الفيلم الشهير.. الذى أساء لسيّد البشريّة منذ خلق آدم عليه السلام؛ محمد صلى الله عليه وسلم..
يحكى مولانا العلامة الراحل الدكتور سعد جاويش؛ أنّه رأى فى المنام (ستّنا عائشة تجلس على كرسى من جانبها.. لا من المواجهة.. عليها ملابس سابغة..)
وكان الشيخ الجليل فرحاً جداً.. لأنه رآها.. ولكنها كانت غاضبة.. أدارت وجهها عنه..
ويعاتب الشيخ الراحل ضعف إيمانه كما يدّعى.. ويقول لنفسه:
ـ عملت إيه إنْتّ يابتاع الحديث للدفاع عن أمّك عائشة..!
على حدّ تعبيره..
ويستيقظ مولانا من منامه فزعاً.. يغشاهُ الهمّ.. ويقرّر أن يشرعُ فى محاضراته ومجالس العلم وجميع ندواته يدافع عن أمّنا عائشة؛ فى الردّ عن شبهة زواجها بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأنه تزوّجها بأمر الله.. ونزل جبريل بصورتها.. ودخل بها وهى مكتملة وافيْة السنّ والنضج وِفْق شرع الله..
ويبكى الشيخ الجليل.. وتنهالُ دموع عينيه.. ويرتجّ قلبه الليّن الرقيق مثل سمت وجهه.. ونقاء وبياض روحه..
ويصرخ فى الحضور:
ـ لازم تدافعوا عن أمهاتكم.. لازم تعرفوا أن سيّدنا النبى صلى الله ليه وسلم لا يتزوّج إلا بأمر الله....
وراح يسرد للحضور أوجه الدفاع عن أمّ المؤمنين (ستّنا) عائشة رضى الله عنها.. وتلك كانت مقولته دائماً..
إنّه العبد الصالح.. والناسك الزاهد.. فَيْض العلم.. صاحب القول الشهير:
ـ من يخرج بلا وضوء، فلا يلومنّ إلا نفسه..!
رحم الله الشيخ الجليل والعلامة الفذّ الدكتور سعد جاويش.. صاحب قامة فى الدين لا ولن تُنْكَر.. وفضل كبير فى الدنيا لا يكاد يُحصر..
جزاه الله رِفْقَة الولاة الصالحين التابعين.. أهلُ الخير والأثر.. وأهل الفقه والنظر.. الذين لا يُذكَرون إلا بالجميل..
وفى أسمى بقاع جنان الرّحمن.. وبصُحبة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم؛ ورفاقه الأطهار، يكتبُ له المولى عَزّ وجلّ نِعم الأجر والثواب.. ويخلدُ بأفضل مصير..