من أهم عمليات صناعة البترول تكريره ،فالمنتجات المكررة تعد المصدر الرئيسى لكافة صور الحياة المختلفة ،بخلاف أنها أحد أهم مصادر الطاقة على الإطلاق ، تقوم على صناعة البترول ٧ ألاف صناعة متنوعة على مستوى العالم ،وكلما تفوقت الدولة فى أمتلاك معامل تكرير عالية الطاقة الإنتاجية وفقا لأحدث البرامج التكنولوجية كلما ارتفعت معدلات التنمية الاقتصادية وقدرة الدولة على مواجهة كافة التحديات الداخلية والخارجية ، بل أن الدولة التى تمتلك منتجات خفيفة بوفرة تستطيع الدخول فى حرب طويلة الأجل دون أن ينهار اقتصادها أو تخرج من الحرب مهزومة كل هذا بفضل صناعة التكرير !!!
وتعانى الدول العربية المنتجة للبترول من ضعف طاقتها التكريرية ، فعمالقة الإنتاج السعودية-إيران-العراق-الكويت-ابوظبى-ليبيا-قطر-البحرين-مصر ، تعانى من أزمة قلة المنتجات الخفيفة وعلى رأسها البنزين والسولار ، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية رائدة صناعة التكرير تعانى من أزمة البنزين !!
والطاقة التكريرية للدول العربية المنتجة للبترول لا تتجاوز ٣٠ % من الإنتاج وتقوم ببيع ٧٠ % خام إلى الدول الصناعية الكبرى ، وعلى المستوى العالمي الطاقة التكريرية للمعامل فى كافة الدول المنتجة 8% من صناعة التكرير عالميا ،وعلى الرغم أن مصر قليلة الإنتاج إلا أنها فى مجال التكرير تأتى فى المرتبة الثانية عربياً بعد المملكة العربية السعودية رائدة الإنتاج وليس التكرير ، تنتج ١٠ مليون برميل يومياً وطاقتها التكريرية لاتتجاوز ٣ مليون برميل !!
وعدد معامل التكرير فى الغالبية العظمى من الدول مابين ٦ إلى ٩ معامل تقادمت بمرور الزمن لأنها قديمة غير متطورة ، وتمتلك مصر ٧ معامل تكرير هى ، القاهرة والسويس والنصر والاسكندرية والعامرية وأسيوط ، شركات تابعة للهيئة العامة للبترول ، وأحدث معامل التكرير هو معمل الشرق الأوسط ( ميدور ) ، أحد إنجازات قطاع البترول وتبلغ طاقته اليومية ١٠٠ ألف برميل ، إلا أن التحديات التي تواجهها صناعة التكرير تعانى المعامل من عدم التطوير وتحويلها إلى مشروعات عملاقة نتيجة العديد من العوامل المؤثرة على صناعة التكرير وأولها ضخ استثمارات ضخمة ، ورغبة الشركات الأمريكية فى الهيمنة على صناعة التكرير وفقاً لسياستها الاحتكارية !!
فالعملية الإنتاجية بهذه المعامل أصبحت باهظة التكاليف ولا تواكب تطور صناعة التكرير ، فالخام المتداول سوقياً هو الخام الثقيل وهو غير ملائم للمعامل التقليدية التى تكون المنتجات الخفيفة أقل بكثير من المنتجات المتوسطة والثقيلة ،وأزمة البنزين والسولار أزمة عالمية حتى فى أقوى الدول المنتجة !!
الحاجة أصبحت ملحة لإعادة هيكلة صناعة التكرير بما يتناسب مع التعامل فى الخام الثقيل من خلال تحويل المازوت وهو أثقل المواد الزيتية والذى يمكن إعادة تقطيره مرة أخرى فى المعامل الحديثة من أجل استخلاص المنتجات الخفيفة عالية القيمة وهى البنزين والسولار ، بالإضافة إلى المواد الوسيطة المتفاعلة مع دورة تكرير الخام !!
التحديات التى تواجهها صناعة تكرير البترول ضخمة ومعقدة ، بأعتبارها جزء من البعد الاستراتيجى للغالبية العظمى من الدول سواء المنتجة أو المستهلكة ،وخير مثال إيران كواحدة من أقوى الدول المنتجة للبترول على الرغم من احتلالها المرتبة الثانية عالميا فى الإنتاج إلا أن معامل التكرير بها متهالكة وغير حديثة ، وفى ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ليس لديها القدرة على ضخ استثمارات ضخمة لتعديل هيكل التكرير ، فأقتصادها يقوم على بيع الخام وتقوم بأستيراد البنزين !! حتى أن المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر قاموا برفع الدعم عن المنتجات الخفيفة لعدم قدرة معامل التكرير على الاكتفاء الذاتي من المنتجات !!
ووفقاً لأحدث البيانات المنشورة عن طاقة معامل التكرير المصرية ، فإن الطاقة القصوى للمعامل تتراوح ما بين ٣٦ و ٣٨ مليون طن سنويا من الخام ، ٨٦٥ ألف برميل يوميا ، إلا أن الطاقة التشغيلية الفعلية لمعامل التكرير المصرية ٦٠٠ ألف برميل يوميا ، وهذه الأرقام لا تتناسب مع دولة بحجم مصر من الممكن أن تكون من أكبر المراكز البترولية على مستوى العالم !!
ومن أبرز المشروعات التى تستحق الدعم خلال الفترة القادمة معمل تكرير الشركة المصرية لتكرير البترول والتى تبلغ طاقتها الإنتاجية 4.7 مليون طن سنويا ،وقد بلغت استثمارات المعمل 3.7 مليار دولار ، تمتلك الهيئة العامة للبترول نسبة 24.5 % من المشروع ، وتم الإتفاق بين الهيئة وشركائها فى المشروع على شراء الهيئة إنتاج الشركة لمدة ٢٥ عام بالأسعار العالمية !!
التوسع فى صناعة التكرير ضرورة ملحة حتى يتعافى الإقتصاد من حالة الضعف إلى القوة ، وهو مايستدعى إقامة ثلاث معامل تكرير ،الأول فى مدينة السلوم بالإشتراك مع الجانب الليبي واستثمارات إيطالية وبريطانية وفرنسية !!
والثانى فى مدينة حلايب من خلال الشراكة مع دولتى الشمال والجنوب السودانى والاستفادة من منطقة أيبى النفطية وهو ما يدعم العمق المصرى بأستثمارات بريطانية وصينية !!
والثالث بشبه جزيرة سيناء من خلال الإستفادة من الإستثمارات السعودية الكويتية الإماراتية الأمريكية، هذه المشروعات متوسط استثماراتها ٢٠ مليار دولار لتتحول مصر من دولة فقيرة إلى دولة تنموية، لأن صناعة التكرير هى التحدى الأكبر للأمن القومي المصري !!