الكاتب : نُسيبة سعيد |
10:28 pm 29/07/2019
| رأي
| 2442
اننا غير مُجبرين على مطارحة الافكار و الاراء و الاختلافات و العلم و اقامة الحروب و دوافع الشرور و ما وراء النوافذ المغلقة وجميع المصطلحات المماثلة و اسباب الظواهر و شوارح العوالق و ازدواجية الكلام و التبعية الظاهرة و الباطنة و الوعي الجمعي و الضمير الجمعي ايضاً ، غير مجبرين اطلاقاً ما دام ليس لدينا ما يُحمل على الظهر نمشي به ، ما دُمنا غير مُحمّلين الأمانة ، ما دام العقل شاغر و الفكر فارغ و كل ما في الخصائص هو للخصائص ليس لنا ، نبدو بعد ذلك احراراً تماماً ، لا نكترث للنقاشات الطويلة العميقة المملة و لا نلهث امام الكتب كما تفعل العقول المتوحشة الجائعة و لا نبحث كي نجد ، بل احراراً كما كان الانسان الاول قبل ان يتلقّى الكلمات و قبل ان يُنزع منه الجهل انتزاعاً و يُكدس بجميع الاسماء ، ما لهذا الكون شديد الدوران ، سريع المنطق و متقلب الاحوال ، كيف لنا ان نضع بعض المال لنجلب العبث لذلك العقل المُستكن ؟ و لماذا نحن تحديداً نُطيل التفكر فيما ليس فرضاً علينا ؟ و نركض وراء الاسباب مستهلكين طاقة كان لنا ان نصرفها في مفعول اقوى للابقاء على هذا العقل ؟ و نستخدم التفاسير و نجرب كل اشكال التحليل التي تجعل قلاعاً هائلة تُبنى في عقولنا ؟ أوليس ب الاولى أن نُبقي على العقل هذه الراحة المُدهنة ؟ أن يبقى في هذه الظلال متنقلاً هادئاً متميزاً بالجهل ! ليس له و ليس عليه ، لنلقي نظرة حيادية واسعة على العصور الماضية ، كان الجهل تاج يتشاركه و يتساوي فيه الجميع ، سكون عجيب و راحة طويلة و قواعد مُسلّم بها و فِكر موحد و ثقافة لا تدّرس بل تورّث و الجميع هانئ ، طبقيّة عامة ، تعصب مُحق ، تنافس عِرقيّ و ليل اسود لا يعقبه ضوء نهار ، حتى اتى ذلك الانسان الهالك يجتر ، و ينقر ليزعزع ما كان ثابتاً و ليزلزل ما يُخرج الضواري من بطون عقولنا ، انه ليعقر عميقاً في سراديبنا ليجعل لبراكين النور منافذ تنطلق منها فتتغشانا ، يالذلك البؤس الذي نخرج منه لنلج إليه مرة اخرى ، نبغي الهلاك و نخطو إليه و نطلب الاتحاد به !
ان المجتمعات التي تمتاز ب الجهل هي المجتمعات الهادئة الخاملة الغير متوترة حتى و ان ثارت عليها الطبيعة و اذاقتها مرار الكوارث ، هذه المجتمعات التي لا يتغير حالها و نادراً ما تعرف سبب وجودها ، أما الان .. لنعد الى هذا الحاضر الذي حَكم على البشرية ب ميزان العلم ومقاييس تزيد كثيراً من صعوبة المستقبل و سيل الاسئلة الغير متوقف ، بعد ان سفك دم الجهل و اقتلع عذرية الراحة و اصبح العلِم هو الإله المسيطر ، مشعلاً بالنور في كل اطرافه ، يغزو العقول يؤرق المضاجع و يجعل منا آليات مقسّمة متقّدة على مدار الحياة ، اتى العلم ليجعل الاستجابات اسهل و الوعي اقوى و احيا فيما لدينا الادراك و الضمير و جعل التبعية امر اختياري ، صار لكل شيء معنى و لكل معنى قصد و لكل قصد طرق كثيرة يبغيها المرء كي يصل الاخر ب الاخر ، وضع في العقول جوع لا ينتهي و اصبح التوق الى المعرفة يخالط الدماء فينا ، وقد استطاع ان يصل بنا الى درجة الادمان ، لقد اصبح كل شيء يوضع في قوالب و يُمارس عليه كل اشكال التحليل و التفسير و الشرح ، اتى العلم ليحُل محل الجهل وينزع تاج المساواة المزعوم عنوةً ، و يبدأ في تقديم ما لم يستطع الجهل ان يُقدمه للانسان ، وكلما زاد المرء علماً و معرفة زادت الفجوة بينه و بين القناعة و الرضا ، اذ انه لا يمكن ابداً ان يقبل بالقليل بعدها تفتّحت لهُ كل سبل العلم و اغترف منه ، فيصبح بذلك اسيراً للمعرفة مجسداً لمعنى الطمع و يرفض مبدأ الاكتفاء و القناعة .. ليردد دائماً "هل من مزيد ؟" .