الثقافة البترولية والمعرفة عن التكنولوجيا أو التسعير أو التنقيب أو تنمية الآبار أو تشغيل المعامل أو تقدير الاحتياطيات كمثال إنما هي بحور مترامية الأطراف مملوءة بالأسرار. إن سألت عن شأن من شئونها خبيرا ممن قضى ثلاثة أرباع عمره في مجال البترول سيفكر طويلا قبل الإجابة علي استفسارك ولن يسترسل في التفسير بحماس المتيقن، على خلاف الجاهل الذي يظن نفسه بعد قراءة خبر أو كتاب أنه عالم من علماء البترول. المتخصصون والخبراء يعلمون يقينا أن التقدير والتقييم ولا سيما النتائج في مجال اكتشاف وإنتاج البترول والغاز يخضع لعوامل عديدة غير مضمونة، وعند إعداد التقارير الجيولوجية وخطط وبرامج الحفر يحسبون عامل المخاطرة ونسب النجاح المتوقعة، إذ أنهم يتعاملون مع قوة الطبيعة بأدوات محدودة ويستكشفون المجهول بعقول بشرية ما أوتيت من العلم إلا قليلا!!
على سبيل المثال، في مجال الاستكشاف تقييم مخاطر وتحديد طبيعة الحفر تحت المياه العميقة يختلف عن المياه الضحلة، ولكل منها اقتصادياتها الخاصة حسب ظروفها البيئية والبحرية والفنية المحيطة. أيضا الحفر البري الذي تختلف فيه ظروف كل بئر حسب التراكيب الجيولوجية والمكامن البترولية، بالإضافة إلى طرق التقييم ومعادلات حساب العائد الاقتصادي والقيمة المستقبلية للعائد السنوي على المبالغ المالية المستثمرة ونسبة الربح.
وكذلك الأمر فيما يخص نشاط الحفر والإنتاج من الآبار البترولية، فالقرارات تعتمد على عوامل شتى غير العنصر البشري منها سمك الطبقة المنتجة الحاملة للمواد الهيدروكربونية ودرجة النفاذية ومسامية الشقوق ونسبة اللزوجة وحجم المخزون وكفاءة الازاحة ودرجة التشبع بالماء. بالإضافة إلى دور وسائل التكنولوجيا والخبرة فى تحديد واختيار أماكن وطرق التثقيب لتجنب اختلاط المياه الجوفية بالزيت المستخرج، وعملية تسجيل الضغط الجوفي وضغط الاستنزاف. هذه المراحل الدقيقة تستلزم التأني والدراسة والعلم والخبرة والتشاور، فقد يؤدي الخلل في الأدوات أو فساد القائمين عليها إلى إهدار مالي جسيم وضياع ثروات هائلة.
عالم البترول شاسع وعميق، ويعد تحري الدقة في تقصى الحقائق ونشر البيانات والتوقعات التي تخص مجالاته الفنية أمرا إلزاميا. وعلى الجانب الأخر، يحتاج القاريء والباحث عن المعرفة - وأنا منهم - إلى أمانة وعلم الخبراء للتوصل إلى المعلومات والاستفادة منهم حتى لا نقع فريسة لأصحاب الأقلام المزيفة والبيانات الملفقة والاستنتاجات الباطلة. ومن هنا أوجه دعوة لأساتذتنا المتخصصين أن يسارعوا إلى تقديم خبراتهم وطرح علمهم بموضوعية، وأن ينبهوا إلى خطورة نقل الشائعات وتصديقها على المجتمع والاقتصاد. أرجو أن يهتم أهل الخبرة بالتحاور والنقاش وتبادل وجهات النظر مع الشباب المحب للثقافة البترولية، وإبداء تحليلاتهم عن طريق الندوات واللقاءات المباشرة أو المجموعات العلمية الإلكترونية لتغذية العقول وسد فجوة المعرفة، ولا يترك الأمر للهواة يعبثون في البناء الثقافي للشباب!!