مما لا شك فيه أن قطاع البترول بأنى فى المرتبة الأولى للأستثمارات الأجنبية ، والقاطرة التى تسحب خلفها النظام الاقتصادى والمالى للدولة ، وحقق قطاع البترول نجاحات وأنجازات سيطرت على كافة وسائل الإعلام على مدار الثلاث سنوات السابقة .
فقد تبنت الدولة خطة الإصلاح الاقتصادى من خلال إصلاح قطاع البترول منذ نوفمبر ٢٠١٦ حتى أكتوبر ٢٠١٩ ، بتحرير النظام الاقتصادى والمالى من الخضوع لأسواق الطاقة وتحولاتها الجيوسياسية للوصول لمراحل الأكتفاء الذاتى من المنتجات البترولية المكررة والغاز الطبيعي والمسال وإنتاج الطاقة الكهربائية !! وقد ترتب على تطبيق البرنامج الزمنى لتحرير أسعار المنتجات البترولية المكررة من الدعم الأجبارى إلى التسعير التلقائى للمنتجات وفقا للأسعار بأسواق النفط سواء بالزيادة أو النقصان ، وهل ما يجعل من النظام الاقتصادى المصرى نظاما حرا طليقا للأستثمارات .
وتعد شركات القطاع العام والمشترك الأساس الذى قامت عليه صناعة البترول المصرية الوطنية فى ستينيات القرن الماضي ، وأقترنت التشريعات والقوانين الوظيفية للعاملين المدنيين الخاضعين لأحكام القانون ٤٧ لسنة ١٩٧٨ ، والذى حل محله القانون ٨١ لسنة ٢٠١٦ ، ولم يتم الأقتراب من قانون القطاع العام رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٨ وتعديلاته ولوائحه التنفيذية ، والذى لم يعد مناسبا من حيث الزمان لحركة التشريعات الدستورية والقانونية وخطط الإصلاح الأقتصادى والأدارى التى تطبقها الدولة على كافة الأصعدة .
ويبدو أن هناك حالة من اللبس فى التمييز بين شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام و التى هى فى الأصل شركات قطاع عام تم تحويلها إلى شركات قابضة طبقا لأحكام القانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ ، ولوائحه التنفيذية وبموجب القانون أسس قطاع البترول ثلاث شركات قابضة هى القابضة للغازات الطبيعية ، وجنوب الوادى القابضة للبترول ، والقابضة للبتروكيماويات ومايتبعهم من شركات ، ولكن هذه الشركات يسرى عليها قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم ٨ لسنة ١٩٩٨ ، رأس المال الوطنى والاستثمارات الوطنية ، كشركات تجارية مساهمة طبقا لأحكام قانون ضمانات وحوافز الاستثمار !! فأصبحت الفوارق بين شركات القطاع العام والشركات الإستثمارية التى خرجت من رحم الهيئة العامة للبترول متفاوتة بشكل كبير ، تحمل معها روايات ألف ليلة وليلة ، وهذه شركتى من خلال الأجور والبدلات والمكافآت والحوافز ونسب الأرباح ، على عكس شركات القطاع العام و التى دخلت ضمن مشروع تحديث وتطوير قطاع البترول من خلال إصلاحها هيكليا وتنمية مواردها البشرية والمالية بتحسين أنشطتها وكفاءتها فى أستخدامات الطاقة ، ودعم اتخاذ القرارات وتدفق المعلومات !! إلا أن البرنامج الزمنى للأصلاح وتطبيقاته لهذه الشركات كان سريعا لدرجة لم تكتمل معها الصورة الأستثمارية والتجارية المأمولة لهذه الشركات ، إلا أن المشرع ( مجلس النواب ) تخلى عن شركات القطاع العام لقناعته أن هذه الشركات تجارية محضة تحقق مكاسب وخسائر وأرباح ولها موازناتها المالية المستقلة عن الموازنة العامة للدولة وبالتالى لا تحتاج إلى الدعم المالى من الحكومة !!
وهو ما أقدم عليه وزير المالية عند إعداد مشروع الزيادات المالية للعاملين بالدولة رقم ٧٦ لسنة ٢٠١٩ ، فقد أستبعد جميع العاملين بالشركات سواء شركات القطاع العام أو شركات قطاع الأعمال العام الخاضعة لأحكام القانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ من استحقاق العلاوات الخاصة والحافز الشهرى طبقا لأحكام القانون . بالرغم من أن شركات القطاع العام البترولى جزء،لا يتجزأ من الشخص الأعتبارى المعنوى العام الهيئة العامة للبترول ، فلا تعرف الاستثمار والاستقلال والربحية ، لأن هذه الشركات حتى الآن ليس مطلوب منها القيام بأعمال تجارية طبقا لأحكام قانون ضمانات وحوافز الاستثمار وتحقيق الربح ، وإنما تنفيذ الخطة الوطنية المحددة لكل شركة وفقا للسياسة العامة لقطاع البترول !! وللأسف أن المادة الخامسة من القانون رقم ٧٦ قد أحالت عملية الزيادة فى الأجور للعاملين بشركات القطاع العام البترولى وفقا لما هو منصوص عليه فى لائحة شئون العاملين بالهيئة العامة للبترول دون بحث أو دراسة مدى تناسب قيمة الزيادات المقررة في اللائحة مع الزيادات المقررة للعاملين المدنيين أو غيرهم مع بداية العام المالى على اساس أن أصحاب الدخول المحددة يتعاملون مع سوق سلعى وخدمى واحد ومعدل التضخم واحد بالنسبة للجميع !!
فلم يتم مراجعة اللائحة ودراستها وتقرير مدى تناسبها مع التشريعات الدستورية والقانونية منذ عام ٢٠١١ ، وكما هو معلوم للكافة أن العلاوة الدورية السنوية المنصوص عليها فى اللائحة وفقا لنص المادة ٥٨ وفقا للحدود القصوى علاوة دورية لا تشترى علبة ( حلاوة المولد )!!!
الزيادات المالية للعاملين بشركات القطاع العام البترولى لا تتناسب مع غلاء المعيشة وآليات السوق الخدمى والأستهلاكى التصاعدي ، وهذه التحولات لا يشعر بها أصحاب الدخول الباهظة ومنهم العاملين بشركات القطاع الاستثمارى و التى تسمح لوائحهم المرنة لمجالس الإدارات إقرار مسميات مالية متنوعة لزيادة دخول العاملين بهذه الشركات .
قد تجهل وزارة المالية الطبيعة الخاصة لشركات القطاع العام البترولية والطبيعة الأجتماعية الخاصة للعاملين بقطاع البترول على وجه العموم ، إلا أن القطاع العام أصبحت مسألة تدنى مستوى المعيشة أحد أهم الملفات المعقدة فى ظل تطبيق مشروع تحديث وتطوير قطاع البترول حيث لم تكتمل الصورة الإستثمارية لقصر المدى الزمنى لإصلاح هذه الشركات بالصورة المطلوبة . وعقب نفاذ القانون رقم ٧٦ لسنة ٢٠١٩ ، لم يعد هناك مجال للبكاء على اللبن المسكوب ، ولم يعد أمامنا ألا التقدم بألتماس إلى المهندس الخلوق طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية ، بألتماس إعادة النظر بالعرض على المجلس التنفيذى للهيئة العامة للبترول لإعادة النظر فى الحدود القصوى للأجور المطبقة على العاملين بشركات القطاع العام أيا كان مسماها .