03:28 pm 23/03/2024
| رأي
| 1116
واحد من رجالات مصر الخالدين . تلك القامة التي رحلت عن عالمنا في السابع عشر من مارس عام ٢٠١٢. ذرفت دموع ابناء شعب الكنيسة المصرية العريقة ومعهم اخوتهم من كل اطياف الشعب المصري يوم وداعه في جنازة شعبيه لم تري مصر مثلها منذ عشرات السنوات . حياته كانت قصة جميلة من قصص الحياة على ارض هذا الوطن منذ ان فقد والدته بعد مولده مباشرة وحتي توليه كرسي العرش البابوي .كل الدلائل كانت تشير ان هذا الطفل ( نظير جيد) سيكون له شأن كبير .
ولد البابا شنودة في قرية سلام بمركز منفلوط محافظة اسيوط عام ١٩٢٣. لم تصدر له شهادة ميلاد فقد نسي ابوه ذلك في غمرة الاحداث الحزينه. كان صبياً وشاباً نابغ العلم يعشق القراءة ونبغ في نظم الشعر العربي الاصيل . ذهب الى كلية الاداب قسم التاريخ وعمل في مدارس الاحد لتعليم ورعاية الايتام وكانت له وظيفة ميري أيضاً. كان شاباً وسيماً واسع المعرفة يحظي بحب من حوله . لم يتخيل اي منهم ان هذا الشاب المقبل على الحياة المتطلع الى المستقبل صاحب الابتسامة العريضة و الروح الخفيفة يحمل في داخله الرغبة في الانعزال ومعرفة الله عن قرب . كان صوت السماء يدوي داخله ويملك عليه شعوره . قرر الاستجابة الى الصوت السماوي واتجه بكل جوارحه ومشاعره لتلبية نداء السماء وتفرغ للعبادة والانقطاع عن كل مايشغله عن دراسة الدين وطريق الوصول الي الله. رسم راهباً في دير الانبا بيشوي في وادي النطرون عاش فيه عابداً منقطعاً عن الدنيا ، لم ينس القراءة والعلم فكان يقطع الليل والنهار مابين الصلاة والتعبد والقراءة والكتابه . كانت له شخصية متفرده و صاحب قرار يتحمل مسئوليته ويعيش من اجله .
قوة شخصيته اصطدمت بقرار للبابا كيرلس السادس عندما منع بعض الوفود الاجنبية من دخول الدير للزيارة مما اثار غضب البابا . استدعاه ولم يسأله عما فعل ولكنه رسمه بطريقة حاده و مفاجئة له وللجميع اسقفاً للأكيرليكية والتعليم . حاول الاعتذار فكان رد البابا حاسماً ان لا رجعة في هذا القرار . وتسير الايام ويصبح الراهب انطونيوس وهذا اسمه في الدير ثم يصبح شنودة اسقف التعليم بطريركاً للكرازه المرقسية وبابا الاسكندرية والجالس علي كرسي ماري مرقص الرسول في اغسطس١٩٧٢ بأسم (البابا شنوده الثالث) .
هذا هو تاريخ هذا الطفل اليتيم الذي كانت تعده السماء لهذا الكرسي العظيم ليصبح البابا رقم ١١٧ في عداد البطاركة علي هذا الكرسي المقدس . اكثر من اربعين عاماً قضاها البابا شنوده الثالث على هذا الكرسي حتي اصبح واحدًا من علامات ورموز الحياة المصريه .
كان أساساً للوحده الوطنيه بين عنصري الامه ، توثقت صلته وصداقته مع شيوخ الجامع الازهر وكان له علاقه وطيده مع الامام الشعراوي وكانت له معهم جميعاً حوارات ولقاءات ملئها الاحترام والصداقة العميقه . كان يشارك المسلمون احتفالاتهم وكان يتوجه دائماً بحديثه الي جميع المصريين . لم يخل حديثه يوماً ما من ابتسامه او نكته او تعليق ضاحك فقد كان خفيف الظل لا يشعر من امامه بسطوه رجل الدين فكان في عقولهم وقلوبهم . احتل قلوب وعقول الجميع بوجهه البشوش وبساطه شخصيته وعفويتها واجاب على كل الاسئلة بقدر ما يستوعبه البسطاء وكانت كلمته المشهوره للجميع ( ربنا موجود) فكانت العزاء والثقه في قدرة الله على حل الازمات بتدبير لا يخطر لك على بال .
منحت نقابة الصحفيين «الانبا شنودة» عضوية النقابة عام 1966م، وكان رقم عضويته «156»، أي قبل تنصيبه بطريرك للكنيسة الأرثوذكسية بـ 5 سنوات، باعتباره رئيساً لتحرير مجلتي «مدارس الأحد» و«الكرازة»، وكذلك مقالاته التي نشرت في جريدة «وطني» وقتها. كان له مجموعة كبيره من الكتب التي تظل مراجع معتبره في الكثير من امور الدين والدنيا . لم يغضب قط ولم يدخل في دهاليز السياسه والحكم وكان يعبر عن غضبه من كل احداث ٢٠١١ في اعتكافه بعيداً عن احوال الدنيا المتقلبه حتي غادر دنيانا في ٢٠١٢. كانت نصيحته للجميع ان السكوت حل ناجع لكثير من المشاكل متخذاً من ايه الكتاب المقدس التي تقول ( كثره الكلام لا تخلو من معصيه) نبراساً لنصحه .
يظل هذا الوطن أرضاً مزهره بمثل هذه الشخصيات العظيمه التي كان لها اثر كبير في حياتنا ، اعطت واضافت الى القيم الانسانيه والدينيه وكانت بحق اعلام تظل خفاقه في سماء هذا الوطن .
خالص تمنياتنا لأقباط مصر الكرام ببدء الصيام الكبير الذي تصادف بدئه مع شهر رمضان في تظاهرة دينية وشعبيه قلما تجدها في اي بلد اخر . وخالص تحياتنا وتقديرنا لقداسة البابا (تواضروس الثاني) راعي الرعاة وبابا الاسكندرية ورمز الكنيسة المصرية العريقة،،
والسلام ،،
#سقراط