الكاتب : سقراط |
05:03 am 07/03/2024
| رأي
| 1013
الباخرة كبيرة رابضة تتعلق بأحبال قوية تربطها بأرصفة الميناء . ضوضاء المسافرين وعمال الشحن كأنها خليه نحل لا تتوقف . هناك من اتخذ مكانه علي السفينة وهناك من يستعد لذلك . بضائع وصناديق وحقائب بكميات هائلة يتم رصها بعناية لوضعها في مخازن الامتعة . تقترب ساعة الرحيل وتطلق الباخرة صفارتها الطويلة الحزينة لتعلن عن قرب تحركها والاستعداد للإبحار في غياهب المياه العميقة . الجميع يصمت اما خوفاً او حزناً علي فراق او قلقاً من مستقبل قادم لا تعرف له ملامح . جميع انواع البشر علي السفينه بين رجل وامرأه ، شاب وعجوز ، ثري وفقير الجميع مسافرون الي ماشاءالله لهم . هذه هي صورة واقعية لحياتنا الأن بعد ان بدأت عملتنا و سبيل عيشنا رحله الابحار في المياه العميقه .
———-
دائماً ماكان الشعب المصري من هواة العيش علي الشاطئ لا يهوي أبداً الابحار والسفر . يعشق حياة الانس والموده ، لا يأنف من الحياة في عشه او كوخ صغير يضئ بالقناديل . كل مايهمه ان يجد نفسه بين اولاده وعندهم مايكفيهم من الطعام . دائماً كانت البحار امامه وتحيطه من كل جانب ولكنه أبداً لم يعيرها اهتماما او يحاول معها او فيها . حتي عندما مارس الصيد فقد كان النيل وترعه هي وجهته كونها هادئة مطمئنه . الحياة كما خبرناها لا تستمر علي حال وكل يوم تتغير ونتغير معها . لم يعد الطعام والشراب يأتي اليك سائغاً وفيراً كما كان ولكن بات عليك ان تبحث عنه بجد وتقتصد فيه بعد ان عز وغلي ثمنه. لم تعد الوظيفه متاحه للجميع بمجرد تخرجهم وانما اصبحت شحيحه وحلماً صعب المنال . لم يعد العلاج أمرا مفروغاً منه تجده حين تطلبه ولكنه سلعة غالية الثمن عليك ان تدفع ثمنها لتستمر في الحياه . ——___
المصري البسيط وجد نفسه مطالباً بأن يلملم حاجياته ويحزم امتعته ويجمع عياله ليستقل الباخره الكبيره التي تمخر عباب البحر و تشق مياه المستقبل . الاقتصاد وحركة الاسواق في حياة الناس ليس (قرارات تتخذ ولكنها اقدار ) . اقدار نزلت وصاغت طرق الرزق والمعيشة . عندما كنا هادئين مطمئنين نعيش علي شاطئ الامل والراحه كنا قله قليله يكفينا من الطعام والكساء والعلاج قليله ، حياتنا بسيطه بساطه عددنا وافكارنا وامنياتنا . لم نكن نعطي للمستقبل بالاً فقد كان علي مرمي بصرنا . ولكننا اصبحنا قوماً عظيمي العدد بعد ان زاد عددنا وكثرت وتنوعت اجيالنا واختلفت احتياجاتنا وتدفقت علينا الحياه بمتغيراتها حتي جاءت عند اعتاب اقدامنا . أصبحنا ننظر خلفنا الي حياتنا الهادئه فلا نجدها . شبابنا وبناتنا اولادنا اصبحوا غيرنا . استهلاكهم لا نعرفه ولم نألفه اصبحوا يحرقون خيرات الارض حتي يضيئون شوارعها وحواريها . المال عندهم بلا قيمة بعد ان كنا نحتفظ بالقروش البيضاء القليلة لتكون أماناً في ايام المحن والشدائد . هي الايام بلا شك لا تترك حالاً على حاله واصبح الشاطئ الهادئ يعج بالزحام والمشاكل ونقص في الاموال والثمرات . ————-
لقد حان الرحيل وخوض عباب بحار المستقبل لتأخذنا الي ارض أو الي حياه كلاهما جديد وربما تأخذنا أيضاً الي لاشئ . بالتأكيد سنعرف وجهه السفينه بعد ايام أو اسابيع من ابحارها والي اين ستتجه بنا . هل سيطول سفرنا ؟ هل سيتغير حالنا وترسو بنا سفينة الحياة علي شاطئ اوسع و ارض بها من سبل الرزق والعمل ما نستعيد فيه ايامنا الهادئه وحياتنا المستقرة ؟ كثير هي الاسئلة و لكن كلنا اجمعنا علي رجاء واحد في ان تحافظ السفينة على توازنها وان تظل تحملنا علي ظهرها العتيق في مواجهة الامواج العاتية حتي تصل بنا الي مرفأ او محطه على طريقها الطويل .
—————
لا تنسوا أبداً عنايه الله وتدابيره فهي فوق كل فكر وتدبير ويعنينا الله علي رحله السفر الطويله التي بدأت منذ ساعات . ابحثو في رحلتكم عن فنار الامل واجعلوه دائماً في عقولكم ونفوسكم فهناك دائماً ضوء في كل ظلام دامس يهتدي به كل حائر . بالتأكيد ستهتدي السفينة به وتكمل رحلتها ونحن معها بسلام . والسلام ،،
#سقراط