الكاتب : سقراط |
11:36 pm 19/02/2024
| رأي
| 933
تدافعت في ذهني ذكريات زمن المهندس محمد مؤنس وكيل وزارة البترول السابق عندما قرأت مقاله رثاء الرجل يوم امس . وتذكرت أيضاً ما قاله ( مبارك) في اخر خطاب له مع الشعب بأن التاريخ هو من سيحكم بما لنا وما علينا ، و كان محق في ذلك الي حد بعيد . فعندما ينجلي غبار الايام وتصفو النفوس وتنتهي الاحداث و يخفت صرير موجات الحنق والغضب تظهر حقيقة المواقف السابقة التي غفلتها عين التربص والحذر ويندمل تأثيرها الذي استشعرته وقتها و بعد ما الت اليك الدنيا في حاضرة معك.
————
لا شك ان هذا الرجل كان من الشخصيات الكاريزمية صاحبة التأثير عرفته مذ كان مهندساً في ادارة هندسة البترول في شركة خالده .كان شخصية متطلعة يهوي عمله ويبحث عن كل جديد . له اهداف محددة ونظرة اقتصادية ذات معني في كل عمل يقوم عليه . لم يكن موظفاً بالمعني النمطي المفهوم ولكنه كان يجمع بين خصائصها وخصائص رجل الاعمال المحنك . علاقاته المتشعبة ومعاصرته لكثير من الاحداث ودقائق العمل سلبياته قبل إيجابياته جعلته إنساناً حذراً متوجساً لأبعد الحدود. كسب ثقته كانت بعيدة المنال ولا يعطيها الا بعد اختبارات قاسية لمن يتعامل معه. بلا شك كان له تأثير في حياة المتعاملين من حوله اعطي كثيراً لمن يستحق ومن لا يستحق أيضاً. كان يتجه بفكره في ترشيحه للقيادات الي نواحي معينه ربما يغلب عليها الطابع الفني وبعض من سياسات توزيع القوي و كثير من اهمية التعامل مع الشركاء بناء علي معلوماته وخبرته بطبيعة الشخصية المرشحة . ولكن في المراحل الاخيرة من عمره الوظيفي كان وجود الاستاذ ابراهيم خطاب في محيط الاحداث و المسئولية رمانة ميزان للاختيارات بما هو معروف عن الاستاذ خطاب بنظرته الثاقبة التي تختلف عن نظرات الفنيين .
————-
كان المهندس مؤنس يعطي قدراً لا بأس به من الاهتمام بما يسمعه عن الاخرين عن مجمل تصرفاتهم وكيفية تعاملهم مع من حولهم واثر ذلك كثيراً في اختياراته واصابها العديد من عدم التوفيق بلا شك نتيجة ذلك ولكن هذا لا يعني شيئاً سوي اننا جميعاً نخطئ ونصيب. كان له صولات وجولات مع البعض لم يعلن فيها عن موقفه و لم يفهمه الكثيرين حتي غادر عن دنيانا . ربما كان محقاً وربما تم تضليله وربما فرضت عليه تقارير لا يملك معها تصرف ولكني اقتنعت في النهاية ان الاحداث والنصيب هي امور مسيرة لا علاقة للأفراد بها سوي كونهم اسباب من رب الكون لتكون مشيئته فيهم وفينا .
————-
كم العمل الذي اضطلع به كان عظيماً وقام عليه حتي في احرج لحظات حياته عندما فقد ابنه في حادث مروع. لم يصمد كما كان ظاهراً فقد كانت المصيبه فاجعه وهدمت فيه الرغبة في استمرار الحياة وكانت من احد اهم الاسباب لاستسلامه للمرض ثم الموت . ومع ذلك بذل الكثير من العمل المضني ليظهر انتاج ( ظهر) للنور وعمل جاهداً علي تمصير شركة الحفر المصرية ونجح في كلاهما . ربطته علاقات وثيقه بالشركاء الأجانب مدفوعاً بذلك الجانب الذكي الذي كان يكمن في شخصيته و امتلاكه حنكة رجل الاعمال الذي ينجح في المفاوضات ولا يمل من محاولات الاقناع وكان دائماً ما يقف معهم لحل مشاكلهم وخاصة فيما كان يتمثل في عقبات قانونية تقف حائلاً في الاستفادة المشتركة وخاصة في انتاج الغاز المصاحب للزيت الخام في العديد من الشركات المنتجه له . ———-
شخصيته الطاغية كانت بلا شك محل توجس من بعض القيادات الاخري التي لا تملك شجاعة المبادرة و اتخاذ القرار السريع فانزوى معظمهم خلف ما يصدر اليهم من تعليمات . لا انكر اني رأيت بعض محاولات البعض التعامل معه و محاولات تغيير نظرته في العديد من الامور ولكنه لم يستطع ان يتجاوب مع هذا وكان دائماً ما يتجنب اي مواجهه صريحه ربما لاعتبارات كان يراها اكثر اهمية علاوة علي حذره المفرط تجاه اي شخصيات بعيدة عن محيط دائرة عمله . ومع هذا لم يضمر أياً منهم له بغضاً و ربما عذروه فيما ذهب اليه من تصورات وكان تغليب المصلحة العامة هو الفيصل بينهم في ذلك . ——————-
عاصرت واقعة محددة عندما هاتف المهندس محمد مؤنس زميل لنا تليفونياً واعرب له عن عدم وجود اي ما يمنع العلاقة الطيبة معه وانه لا يعاند في ذلك وكان موقف يحسب له بكل تأكيد بعد ان ادرك حقيقة الموقف فقد كان علي علاقه معه منذ زمن بعيد وطلب منه ان تكون الهيئه هي البيت الذي يجمع كل الرؤي وتخرج منه مايريده له . وكانت المفاجأة قاسية عندما انبري مسئولها في هذا الوقت في وجه هذا الصديق بغضب عارم لم يتذكر معانيه من فرط المفاجأة وكأنه كان يصب غضبه علي المهندس مؤنس في شخصه وبالطبع فشلت محاولات المصالحه نتيجة لذلك . اتذكر هذه الايام وابتسم فكل شئ اصبح الي زوال ، فقد رحل هذا وتقاعد ذاك و مرت الايام ولم يعد ما كنت تري السعي من اجله الا من الذكريات وتتعجب لماذا كان كل هذا وماذا يساوي !!.
———-
ستظل حكايات المهندس مؤنس في قطاع البترول بلا شك مثل حكايات الغريب في السويس تلك التي لا تفني ولا تنتهي منها الاحداث والمعاني و كل من تعامل معه له بالطبع ذكريات منها الجيد ومنها القاسي . وتظل احكام العمل والمسئولية التي غالباً لا تري جميع اوجهها هي وراء ما تحسبه وما لا تدريه . الرجل في دار الحق ولا يستحق اسمه منا الا الاحترام فقد كان للامانه شخصية مؤثرة لها بصماتها الواضحة ولن ترضي الناس مجتمعة عن بشر مهما كان .
رحمه الله رحمه واسعه فهو العليم الخبير بنفوس عباده دون سواه .
والسلام ،،
#سقراط