الكاتب : عثمان علام |
05:54 pm 08/04/2023
| 2092
•كَيفَ كانَت ساعَةٌ قَضَّيتَها….كُلُّ شَيءٍ قَبلَها أَو بَعدُ هَين.
——————————-
•أَشَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَةً…أَم شَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَتَين
———————————
•لا تَخَف بَعدَكَ حُزناً أَو بُكاً…جَمَدَت مِنّي وَمِنكَ اليَومَ عَين
——————————-
أربعة أعوام على رحيل أبي ، لازلت أتذكر …مشهد توديع أبي كان مشهداً قاسياً ، لم أعشه من قبل ، رأيته وهو مسجى على السرير وقد فارقت روحه الحياة ، ووجدت نفسي أغسله وأمسح على جسده دون مقاومة ولا إرادة منه ، ثم حملته على كتفي لمثواه الأخير …وكان مشهد وضعه على التراب قاسياً ، وجال بخاطري شيئ لو كنت أعلنته لاتهمت بالخروج عن الملة والكفر ، كيف لأبي الذي كان ولم أكن أن يصمت طويلاً ، ثم يدفن تحت الثرى ، ثم نتركه وحيداً بعد أن اغلقنا واحكمنا عليه قبره حتى لا تهاجمه الذئاب !.
—————————————
اعتدت رؤية هذا المشهد منذ ذلك الحين ، ولم يعد يفزعني أن أرى ميتاً وأشارك في غسله ، ولم اعد أهاب الاقتراب من شخص فارق الحياة …وأذكر أنه عندما مات المهندس سيف الإسلام عبدالفتاح ، احتضنته وهو موضوعاً داخل النعش وبكيته بكاءً شديدا ، وظللت احدثه وهو نائم مفارق للحياة ، وكأنه حديث الأحياء.
لقد هان كل شيئ بعد أبي ، وعلها طريقة تتعلمها مع مرور الوقت ليقوى الظهر وتتعود على فقد أشياء لم تعتادها من قبل ، فقد أصبحت في الواجهة متحملاً للمسئولية مادية ومعنوية ، فمن كان يتحملها عنك قد رحل ، إذاً كن صلباً قوياً و واجه ، واجه المشاكل وأطرح الحلول ، واجه حتى الموت .
إنني أُشفق على نفسي كثيراً وعلى كافة الموجودين ، أثناء تشييع جنازة ما ، كيف لهذا المحمول أن يصل به الحال ليصبح جثة هامدة لا يقوى أن يرفع ذراع من يغسله أو يداري عورته أو يصرخ أثناء وضعه فى التراب "أنقذوني من هول ما أرى"، …مشهد مريب للجميع لكن لبعض الوقت ثم تعود الأمور لطبيعتها بعد ساعات ، الكل مشغول في حياته ، حتى الذي كان ينوي ارتكاب ذنب أو جريمة ، أجلها لبعض الوقت حتى تغسيل وتشييع الميت مراعاة لحرمة الميت وليس لحرمات الله .
أما وجه الشفقة ، فعلى أولئك الذين يُغسلون الجثة ويحملونها لمثواها الأخير ، وكل همهم تقاضي الأجر ، أو الورثة الذين يفكرون وهم يحملون الميت : كيف يقسمون التركة ، أو حتى الذي ينتظر في سيارته لمرور النعش ، فهو ينتظر متأففاً ، لأنه يرى أنه تعطل عن مصالحه …كل هؤلاء لديهم ما يشغلهم ويتحسبون له ألف حساب إلا ذلك المشهد الذي رأوه وعاينوه ، ولم يخطر ببالهم أنهم سيكونون يوماً أبطاله ، حتى عند الصلاة على الميت لن ينادونه بأسمه ، بل يقولون : أحضروا الميت أو هاتوا الأمانة".
وفلسفة الحياة قائمة على الموت ، وقد ترجم القرأن الكريم ذلك بقوله: "وأبتغي فيما آتاك الله الدار الأخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا"، وهذا معناه أن الرحلة قصيرة ، وأن المكوث فى الدنيا مجرد مشوار ضئيل لمكان تستقر فيه للأبد ، فلا تتخذ ما هو مؤقت دواماً ، وتنسى ما هو دائم .
لقد عاش سيدنا نوح ألف سنة وخمسون ، ومن البشر من عاش مائتي سنة أو أكثر ، وفى الأساطير انقرضت الديناصورات بعد أن عاشت ملايين السنين ، ولم يجد الجميع حضناً يضمهم سوى القبور ، واتخذ الملوك والعظماء والأمراء التراب فراشاً لهم ، كلاً لم يحمل معه إلا عملاً صالحاً ومقولة حق وإحسان لمحتاج ، أو ذنوب ومصائب اقترفها وحملها معه .
وكان الحسن البصري يقول : لقد فضحَ الموتُ الدنيا ، فلم يترك لذي لُبٍ فيها فرحًا ، و ما ألزم عبدٌ قلبه الموت إلّا وقد صغرت الدنيا عليه ، و هان عليه جميع ما فيها ….فاللهم ما هون علينا الدنيا وحبب إلينا الأخرة .
وما أروع شوقي عندما رثى أبيه:-
•سَأَلوني لِمَ لَم أَرثِ أَبي
وَرِثاءُ الأَبِ دَينٌ أَيُّ دَين
•أَيُّها اللُوّامُ ما أَظلَمَكُم
أَينَ لي العَقلُ الَّذي يُسعِدُ أَين
•يا أَبي ما أَنتَ في ذا أَوَّلٌ
كُلُّ نَفسٍ لِلمَنايا فَرضُ عَين
•هَلَكَت قَبلَكَ ناسٌ وَقُرى
وَنَعى الناعونَ خَيرَ الثِقَلَين
•غايَةُ المَرءِ وَإِن طالَ المَدى
آخِذٌ يَأخُذُهُ بِالأَصغَرَين
•وَطَبيبٌ يَتَوَلّى عاجِزاً
نافِضاً مِن طِبَّهُ خُفَّي حُنَين
•إِنَّ لِلمَوتِ يَداً إِن ضَرَبَت
أَوشَكَت تَصدَعُ شَملَ الفَرقَدَين
—————————————-
•أَنا مَن ماتَ وَمَن ماتَ أَنا
لَقِيَ المَوتَ كِلانا مَرَّتَين
•نَحنُ كُنّا مُهجَةً في بَدَنٍ
ثُمَّ صِرنا مُهجَةً في بَدَنَين
•ثُمَّ عُدنا مُهجَةً في بَدَنٍ
ثُمَّ نُلقى جُثَّةً في كَفَنَين
•ثُمَّ نَحيا في عَلِيٍّ بَعدَنا
وَبِهِ نُبعَثُ أولى البِعثَتَين
•اِنظُرِ الكَونَ وَقُل في وَصفِهِ
كُلُّ هَذا أَصلُهُ مِن أَبَوَين
•فَإِذا ما قيلَ ما أَصلُهُما
قُل هُما الرَحمَةُ في مَرحَمَتَين
————————————
•ما أَبي إِلّا أَخٌ فارَقتُهُ
وُدُّهُ الصِدقُ وَوُدُّ الناسِ مَين
•طالَما قُمنا إِلى مائِدَةٍ
كانَتِ الكِسرَةُ فيها كِسرَتَين
•وَشَرِبنا مِن إِناءٍ واحِدٍ
وَغَسَلنا بَعدَ ذا فيهِ اليَدَين
•وَتَمَشَّينا يَدي في يَدِهِ
مَن رَآنا قالَ عَنّا أَخَوَين
•نَظَرَ الدَهرُ إِلَينا نَظرَةً
سَوَّتِ الشَرَّ فَكانَت نَظرَتَين
•يا أَبي وَالمَوتُ كَأسٌ مُرَّةٌ
لا تَذوقُ النَفسُ مِنها مَرَّتَين
•كَيفَ كانَت ساعَةٌ قَضَّيتَها
كُلُّ شَيءٍ قَبلَها أَو بَعدُ هَين
•أَشَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَةً
أَم شَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَتَين
•لا تَخَف بَعدَكَ حُزناً أَو بُكاً
جَمَدَت مِنّي وَمِنكَ اليَومَ عَين
•أَنتَ قَد عَلَّمتَني تَركَ الأَسى
كُلُّ زَينٍ مُنتَهاهُ المَوتُ شَين
•لَيتَ شِعري هَل لَنا أَن نَلتَقي
مَرَّةً أَم ذا اِفتِراقُ المَلَوَين
•وَإِذا مُتُّ وَأودِعتُ الثَرى
أَنَلقَّى حُفرَةً أَو حُفرَتَين
———————————-
#حكاوي_علام #عثمان_علام