الكاتب : عثمان علام |
06:09 am 30/05/2022
| 3331
كنت أتمنى أن لو كانت أمي على قيد الحياة ، أجلس بجوارها في ساعة متأخرة من الليل أو ساعة مبكرةً من النهار وأتحدث إليها حديث الجوى ، بقلب مفتوح وافضفض بأشياء لم اتفوه بها من قبل .
كأن أقول لها: ترين يا أمي كيف كبرت وجرت السنين ، وأصبحت أقود السيارة وبجواري زوجتي ، نذهب لنشتري حاجات الأولاد ، ترين يا أمي كيف أنني اضحيت أفكر فى الأولاد أكثر من نفسي ، ترين يا أمي كيف أنني انظر إلى هواتفهم لأراها مشحونةً عن أخرها وانسى شحن هاتفي ، لا أحب أن يستيقظوا صباحاً فيجدون بطاريات هواتفهم منخفضة فلا يتمكنون من اللعب …ترين يا أمي كيف أنني امقت تسمرهم بالساعات أمام البلاي ستيشن ، ورغم ذلك أبحث لهم عن العابه واستجيب لهم عندما يطلبون شراء سيديهات تصل الواحدة منها لألفي جنيه .
ترين يا أمي كيف أنني اشتري الملابس الداخلية والجوارب ليرتديها أبنائي ، اكون سعيداً عندما يطلب أحدهم ارتداء جورب من جواربي أو فانلة داخلية او سويت شيرت من أشيائي ..ترين كيف أنني ابحث لهم عن كل الأشياء التي تناسبهم فى المتاجر دون أن يلفت نظري شيئ واحد اقتنيه ، وأنا من كنت مسرفاً في ذلك .
ترين يا أمي كيف أنني كبرت لدرجة إنشغالي بتهذيب المنزل وإصلاح أي شيئ فيه حتى لا يواجه أبنائي المتاعب وليعيشوا دون ضجر أو ضجيج ، ترين يا أمي كيف يؤلمني صوت أحدهم بأن الكهرباء انطفأت أو النت قد تباطئ ، ترين يا أمي كيف أكون سعيداً وأنا اراهم يهمسون في آذان بعضهم و صيحات ضحكاتهم تتعالى عندما يشاهدون فتاة جميلة فى التلفاز أو على شاشة هواتفهم ، لقد كبروا يا أمي رغم صغرهم وأصبحوا يعرفون معنى الجمال ويدركون سحره ويفعلون ما كنت أفعله وأنا شاب .
ترين يا أمي كيف أنني أحاول إسعاد زوجتي قدر المستطاع بعد ما رأيته من مكابدتها فى المنزل وحرصها على تربية الأولاد وخدمتهم والوصول بهم لبر الأمان ..ترين يا أمي كيف أنني أصبحت أحب أم أولادي وأنا من كان لا يبالي بذلك عندما كنتي توصيني وتقولي "مرتك خسارة يا ولدي حافظ عليها".
ترين يا أمي كيف أن نظرتي فى الحياة قد تغيرت ، فلا أهفو لشيئ إلا إذا كان فيه إسعاد لأسرتي ..ترين يا أمي كيف أنني امكث بالمنزل لأيام دون أن اغادره وأنا من كنت تواقاً لأجوب الشوارع ومجالسة الأصدقاء والتواجد على المقاهي .
ترين يا أمي كيف أنني استيقظ ليلاً أو صباحاً باكراً فأنظر الى حوض المطبخ وهل به أطباق متسخة فانظفها مساهمة في تخفيف العبئ عن زوجتي التي تظل لساعات واقفة على قدميها لطهي الطعام وتنظيف البيت .
ترين يا أمي كيف ادركت حب الأخ والأخت وودهم وصلتهم وعدم التسبب في زعلهم ومحاولة إرضاءهم ، إرضاءً لكِ وأنتي من تقولين "أسألك عن أختك وعن أخوك يا ولدي".
ترين يا أمي كيف أنني أضع صورتك على هاتفي وفي بهو منزلي حتى أدقق النظر اليكِ طويلاً وأنتي بعيدةً عني .
ترين يا أمي كيف أنني كبرت وأصبحت أناجي روحك وأتحدث معها حديث طويلاً وكأنكِ تجلسين إلى جواري فأبوح لكِ بما لم استطع أن أتفوه به وأنتي على قيد الحياة .
ترين يا أمي كيف أنني كنت إبناً عاقاً عندما لم اغتنم فرصة وجودك على قيد الحياة لأتحدث اليكِ بكل أسراري واحكي كل أوجاعي ..ترين يا أمي كيف أنني إنساناً خائباً عندما لجأت لغيرك فأقصصت عليه حكاياتي ..ترين يا أمي كيف أنني أندم على لحظات عشتها بجوارك ولم أرتمي في حضنك فرحاً أو حزناً من فرط إنشغالي وطيشي ..ترين يا أمي كيف ضاعت الفرصة حتى انني استحضر طيفك فاحكي معه ألف حكاية وحكاية دون أن يرد عليَّ أحد …لكني يا أمي أشعر بأنكِ تسمعينني جيداً وتقولين : إحكي يا ولادي فأنا أسمع لكني لا أرد .
رحمك الله يا أمي
#حكاوي_علام