الكاتب : عثمان علام |
06:33 pm 28/02/2022
| 2578
كلمتين ونص…رحلة فوق مستوى العقل
الإبحار فى العلم وإعمال العقل غالباً ما يسلبان العقل ، ومن ثم لا يستقيم فى الكثير من الأحيان إعمال العقل واليقين بالله ، فأنت عندما تدرك كيف أن قدرة الله تفوق المنطق ولا تخضع لنظريات البشر وتضرب كل التجارب ، تستريح وتسلم بأن أموراً كثيرة ما يجب فيها أن تقارنها بغيرها .
لقد ذكر الله سبحانه في كتابه "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، وهذا دليل قاطع ومانع أن ترى في نفسك التي بين جنبيك كيف أن قدرة الله فاقت تصورك ، فمهما جال بخاطرك واستغرابك عن قدرة البشر في صنع ما تسميه إعجاز ، ترى أن إعجاز الله في تركيبه لبدنك وعقلك أكبر بكثير من صنعهم ، وليس إعجازه فقط في تركيبة جسدك ولا تعقيداته بل وفي عقلك أيضاً الذي يجب أن تطلق له العنان مفكراً في قدرته وليس منتقداً لها .
تفحص عن شرايينك واوردتك ومجرى الدم في عروقك ، راقب حركة اليدين والقدمين والعين ، شاهد برامج التشريح واستمع للعلماء وهم يحاولون تفسير ما بداخلك ، هم لم يصلوا سوى لشيئ طفيف من القدرة الالهية ، الله فاض عليهم ببعض الأشياء أما كل الأشياء فستظل بيده سبحانه حتى قيام الساعة .
لقد اختلف كثيرون على رحلة المعراج ، وهناك من انكرها وزعم عدم حدوثها ، ومنهم من فعل ذلك طعناً فى الدين وإخفاءً لقدرة الله ، ومنهم من حاول تشويه النبي الخاتم وتكذيب حديثه وهو الذي لا ينطق عن الهوى ، ومنهم من اعمل عقله وتغافل قدرة الله في كل الأحوال ، نحن لا نجادل الذين ينكرون قدرة الله ولا الذين يطعنون في صدق رسول الله ، نحن نتحدث إلى الذين حاولوا إعمال العقل ، اجتهدوا فأخطأوا غير متعمدين الطعن ، هم من حقهم أن يُعملوا عقولهم ، ومن حقنا عليهم أن يستعموا ويُعملوا عقولهم فيما نقول .
قد لا يتصور البعض حدوث هذه الرحلة ، وقد يراها البعض ضرباً من المستحيل ، فكيف لبشر مهما كان أن يصعد للسماوات السبع ويبلغ سدرة المنتهى ، في ليلةً واحدة ، يرى ويشاهد كل هذه الأحداث ، حتى التفسيرات العلمية والحسابية التي جاءت لقياس المسافة بين السماء والأرض تدخض ذلك ، فما بين السماء والأخرى مسيرة خمسمائة سنة ، ولم يعرف هل المسير مشياً أو جرياً أو امتطاءً لوسيلة قد تكون الضوء أو الصوت ، الأمر برمته محير للذين يُعملون العقل في أشياء حسمها الله عندما ذكر قدرته "والله على كل شيئ قدير "، "وكان الله على كل شيئ مقتدرا "، كما أن خلق السماوات لم يأخذ وقتاً من الله " فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ"، وهذا أمر قد يحير أصحاب العقول .
لكن هناك أمر يجب علينا أن ندركه ، وهو أن التسليم بأوامر الله من الأيمان ، وفي الكثير من الأحيان يشقى الإنسان بعقله "لا تسألوا عن أشياء إن تبدى لكم تسؤكم"، وهذا السوء أمره خطير ، فهو يحيرك ويجعلك لا تهتدي وربما سلبك عقلك ونفسك ، وهكذا كان حال كثيرون عل ابرزهم الراحل الدكتور مصطفى محمود ، والذي ذكر فيما بعد قصته وسطرها فى كتاب "رحلتي ما بين الشك واليقين".
ولعل جميعنا يذكر قصة السيدة مريم ، عندما خاطبها الله سبحانه بقوله"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ، قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا ، قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ، قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ".
هي لم تتزوج ولم تكن زانية ولم تعاشر بشراً ، ورغم ذلك انجبت سيدنا عيسى ، وهذا ضد عقول البشر ، فالأمر كله ضد العملية الحسابية بمنطوق البشر ، إذاً ما العجب في أن يصعد النبي للسماوات العلا في ليلة ويعود وحتى إن لم يغادر فراشه .
ثم إن الكثير من النظريات العلمية أثبتت فشلها رغم ارتكازها على حسابات دقيقة قد لا تخطئ بمنظور البشر ، ترون كيف إن عمليات التلقيح الصناعي تفشل لأنها ضد قدرة الله ، وإن نجحت تأتي مشوهة ، وترون حتى الأطفال الذين يولدون ولادة قيصرية يحتاجون لوضعهم في الحضانات تعويضاً عن فوائد آلام المخاض والطلق للأم "كل شيئاً عنده بمقدار ".
ما علينا إلا التسليم بقدرة الله ، لأن ذلك في حد ذاته هو الأيمان ، ولا يجب أن نحكم العقل في كل شيئ ، ولا يقول قائل بأن ذلك يدعونا للتواكل وعدم التفكير ، الأيمان بقدرة الله الواحد الأحد هو منتهى التفكير ، وإذا اردت أن تُعمل عقلك ، فتبحر في دلائل قدرة الله في كل الأشياء ، ساعتها ستدرك أن منتهى القدرة على التفكير في تسليمك بقدرة الله الواحد .