للاعلان

Sat,23 Nov 2024

عثمان علام

كلمتين ونص…تحمل ما تكره

كلمتين ونص…تحمل ما تكره

الكاتب : عثمان علام |

08:20 pm 26/10/2021

| رئيس التحرير

| 3784


أقرأ أيضا: Test

 

هل جربت أن تعتزل شيئ ولم تقوى على ذلك ؟، حتماً لقد جربت كثيراً ، لكنني لم أقوى ولن أقوى ، فليس من طبع الحياة تمام الحظوظ ، فلو أكتملت الحظوظ لاستغنى الناس عن الناس .
أنا أُريد اعتزال الأطباء ، لكني أمرض ، أريد أعتزال العمل ، لكني بحاجة الى المال ، أُريد اعتزال النوم ، لن أقوى على الحركة ، أريد أعتزال الاقارب ، أحتاجهم في وقت ما ، أريد اعتزال الأبناء ، هم فلذات الأكباد ، أريد اعتزال الزوجة ، القلب لا يستريح بدونها ، أريد اعتزال الأصدقاء ، يخففون عني وطأة الحياة ، أُريد اعتزال الحياة ، فتنتها تملأ قلوب الناس .
حتى السيئون في حياتنا لا نستطيع الأستغناء عنهم ، وكيف لنا أن نستغني وقد أحاطوا بنا من كل الاتجاهات ، منهم من يكرهنا ومنهم من يدبر المكائد ، ومنهم من يطعن فى الظهر ، حتماً لو أستغنيت ستظل وحيداً ، ولن تستقيم حياتك .

لم أدرك القصد من قول سيدنا عمر بن الخطاب : أعتزل ما يؤذيك ، حتماً لقد كان يقصد اعتزال النار إلى الجنة ، واعتزال الخمر واعتزال الزنا واعتزال الربا واعتزال أكل مال اليتيم واعتزال قول الزور واعتزال الفُحش من القول واعتزال الخوض في الاعراض ، واعتزال الموبيقات ، حتماً هو لم يقصد اعتزال الأشخاص الذين يؤذوننا ، وإلا لاعتزل هو الناس وهرب من الخلافة…يا سيدي البُعد مستحيل .

أتوق أحياناً إلى العيش فى المدينة الفاضلة ، أظل أبحث عنها على خريطة العالم ، لكن أين هي تلك المدينة التي أرحل اليها ، هل بها أقوام لن يؤذونني ؟، أليس بها بشر ؟، حتماً بها أُناس قد يكونوا أشد ضراوة ممن أعاشرهم الآن ، لو كان الأمر كذلك لما هرب المستكشف وخبير تزحلق الجبال "نيونز " من بلد العميان ، على الأقل كان ضررهم أشد ممن يرون ويبصرون .
حتى إذا كان الرحيل يرضيني ، فماذا لو لم تكن أمي وزوجتي وأولادي غير راضين عن ذلك !، ربما هم يرون أن مدينتهم الفاضلة بلدهم التي يعيشون فيه ، وأنا لا أخالف لهم رأياً ولا أقوى على تعكير مزاجهم ، عليَّ إذا تحمل ما أكره .

بلال بن رباح ، و وحشي ، كانا عبدين لسادة قريش قبل الإسلام ، وحشي كان يجيد رمي السهام والإمساك بالحربة ومرافقة الجيوش ، وهو الذي أستطاع قتل صائد الأسود سيدنا حمزة ، بينما كان بلال يجيد حلب الشياة ورعي الإبل ، كان السادة يسألونه : ماذا لو كنت مثل وحشي يا بلال ، قوي البنيان مشارك فى الحروب لك سهم وحربة ؟، وكان يقول :  أنا لست قوياً مثله يا سيدي ، ليس من طبع الحياة تمام الحظوظ ، وإلا أستغنى الناس عن الناس .

وبينما كان يرى البعض أن لسيدنا بلال رأي وحكمة ، كان البعض يرون أنهم ليسوا بحاجة إلى حكمته وإنما هم في حاجة إلى قوته ، عمرو بن العاص كان يدرك جيداً ، أن عبداً ورأي أشد خطراً من عبد وحربة .

ربما لست أنا الشخص الحقيقي الذي يروح ويغدو مبتسماً ضحوكاً شغوفاً بأشياء ترونها تافهة ، قد أكون شخص مختلف عندما أمارس عملاً لم تعتادوه مني ، وربما الشخص المهرج الذي يبعث على البهجة والفرح ، أشد حزناً من داخله كما لو كان يحمل ثقيل الأحمال ، هذا المدير الذي يهندم ويفصل اللوائح والقوانين ، ليس هو عندما يتحدث فى الجنس والدين والسياسة ، وهذا الذي يمارس الهندسة ، ترونه آلة تمشي على قدمين ، وعندما يتحدث فى الفلسفة ترونه حكيماً أكثر من سقراط ، وهذا الذي يكتب فى السياسة ، عندما يكتب فى الأدب تجدونه ما أحلاه وأطعمه ، وتلك السيدة التي ترونها جميلة ، قد يخفي جمالها آلاف الأنات .

لا أحد يختار شيئ ، الحياة تقذف بنا إلى القمة ثم تهوي بنا إلى مكان سحيق حيث لقمة العيش ، هل رأيتم الشاب الذي أوشك أن يكون قاضياً ، سرعان ما أصبح عامل باليومية ، وهذه البنت التي أوشكت أن تكون راقصة باليه أو عارضة أزياء ، لقد أمست عاملة في حانة ، وذلك العبقري فى العلوم ، إنه الآن عامل يحمل الطوب على ظهره .

ولو كان من طبع الحياة تمام الحظوظ ، لما رأيتم كيف أن صاحبة القد المياس والشعر الغجري والعيون السود ، تقف فى انتظار أتوبيس النقل الجماعي ، هي تتحمل الكثير من السخافات ، لم يشفع لها جمالها في أن تقود الفاره من السيارات ، ترون الكثير من الدميمات يقودن أكبر العلامات الفارهة من السيارات ، ولو كان من طبع الحياة تمام الحظوظ ، لما استعبدت جميلات الأرض قلوب ملايين البشر عبر الشاشات ، بينما جاء من يملك المال فاستعبدها عندما اقتناها كتحفة في بيته ، ولو كان من طبع الحياة تمام الحظوظ ، لما رأينا الجهلاء يستعبدون العلماء ولا الأسود تموت جوعاً فى الغابات ، ولحم الضأن تأكله الكلاب .

هل ترون شيئاً في هذه الحياة به تمام الحظ ؟ ، لا شك أن هذا مستحيل ، إذاً عليك تحمل ما تكره ، دون إرادة منك ، أنت مجبر على أن تكون دُميةً في يد كل ما تكرهه .

أقرأ أيضا: توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟